التخطي إلى المحتوى الرئيسي

The life of pi .. أن تكون مؤمنا معناه الخلاص

كتبت_إسراء إمام
"حياة باى " من الأفلام التى لن يستطيع قلمك أن يصفها إجمالا بأنها منقوصة ...
فهى تملك من القوة ما يُردعك عن فعلة كهذه ، وقد قررت منذ انتويت الكتابة عنه أن أتناسى التقييم الكُلى وأتحدث فى المطلق عن انطباعاتى تفصيلا ..
بداية الفيلم لم تكن جيدة أبدا بل تفننت فى أن تكون غير مشجعة على الاطلاق ، أكثر من عشرة دقائق يصّف فيهم "باى" معاناته مع اسمه المثير للفضول فى المدرسة ، أخذت أتساءل بعد تلك المشاهد ما نفع كل هذه الجلبة وماذا أضافت ولم أجد إجابة ، وإن كان المقصود التعريف باسم "باى" وتوضيحه قدر الشىء فهذا كان كفيل به ديالوج يتضمن فقرتين على الأرجح بين "باى" وبين الرجل الأمريكى الذى سيقص عليه قصته ..
تنتزع هذه المشاهد الايقاع المبدئى للفيلم وتدفع بك إلى أن تذّكر حالك بأنك بصدد حكاية أخرى تنتظرها وتتوسم فيها خيرا وطالما طالك مثل هذا الفكر فى أى فيلم إعلم أنه ثمة خطأ لن يُغتفر فى بدايته ..
من بعدها تتوالى المشاهد التى تضّح فيها رحلة "باى" الايمانية وتُعّرفه بالاله ، وهى من أجمل ما رأيت عن الإحساس بالله ..تلك الفطرة النقية التى تسعى بطبيعتها لمعرفة الله بكل أشكاله من نفسه من دون أية دافع انسانى بشرى من حوله ،ورغم تعدد الديانات التى جمع "باى" بينها فى آن إلا أنه شعر بكينونة الله بقلب واحد ..
فى هذه الجزئية تتجسد لك تركيبة "باى" النفسية المطمئنة والمغامرة ايضا فتراه بعينين حانيتين وقويتين فى آن يحاول إطعام النمر الذى يحتفظ به والده فى حديقة الحيوان التى يمتلكونها ..وعندما ينهره والده ويطبع فى ذهنه درسا عن وحشية مثل هذه الحيوانات حينما يُقدم إليه عنزة ويجبره على المُشاهدة تتقهقر نفسه المُغامرة إلى الخلف قليلا حتى يأتى الوقت الذى يضطر فيه من جديد إلى مواجهة وضع جمعه بالنمر وحده فى قارب  بمنتصف المحيط ..
فى البداية يعلق "باى" مع حمار وحشى وضبع وقرد يجىء لقاربه طافيا على نبتة ثمار الموز بعدما تغرق السفينة التى كانت عليها أسرته والحيوانات التى يملكونها أثناء إنتقالهم من الهند إلى كندا ، الضبع يأكل من الحمار الوحشى عندما يلح عليه الجوع وبعدما ييأس من مهاجمة "باى" ومن بعدها يقتل القرد ومن ثم يكتشف "باى " أن النمر بالقارب وإذا به يقتل بدوره الضبع لتبقى الأيام المقبلة أيا إن كان عددها كلها بين النمر و"باى" بمفرديهما ، القوة المطلقة أمام السلام الروحانى ...
المعركة التى دارت بين الحيوانات التى صاحبت "باى" فى البداية والتى أودت إلى النتيجة الأخيرة رسخت لديك إحساسا بالعراء بات فيه هذا المراهق بين قوانين الطبيعة التى تحياها الحيوانات فيما بينهم ، وفقدانه للقرد كان آخر ما عزله عن عالما يمكن أن يساير فيه احساسا حانيا بالتواصل يشبه بشكل أو بآخر تآزر البشر، الدفع بهذه المعركة فى البداية وحسن إختيار أنواع الحيوانات التى جسدتها جاءت مناسبة وفى موقعها تماما ..
تفضيل النمر عن غيره ليمضى مع "باى" فى رحلته جاء إختيار موفق بدوره أيضا ، فالأسد مثلا  لا يملك جاذبية وسحر النمر الشكلية التى دوما كانت تبعث فى نفس "باى " إعجاب خفى تجاه "ريشتارد باركر" أو النمر وذلك ما كان يدفعه إلى القول دوما بأنه من أهم كنوزهم بين الحيوانات التى يمتلكونها وهو نفسه ما حضه فيما مضى على أن يكسب ود نفس النمر بمحاولة إطعامه ، ليظل الصراع طوال الفيلم بين "باى" وريتشارد باركر " أكثر ثراء من الصراع التقليدى بين نمر وولد مراهق ...
الأجزاء التالية من أجمل أجزاء الفيلم ..
تلك الأيام أو الأسابيع التى قضاها "باى" مع ريتشارد باركر والتحول التدريجى الغير فجائى من خوفه وهلعه فى مواجهة خصمه إلى التغلب عليه واحتلال الدفة الأقوى فى مسايرة العلاقة ومن ثم نشوب بعض من الألفة التى تجمع فيما بينهم ..
تشهد فى تلك الأجزاء بعض اللقطات المبهرة بصريا والتى من الواضح تصميمها بهذا الشكل الأشبه بالجرافيكى لتفعيل خاصية الثرى دى وهذا ما أمقته للغاية فى الفيلم ومنها اللقطة التى صورت العوالق فى المياه ومن ثم قفزة الحوت الهائلة ..إن مالت هذه اللقطة أكثر للواقعية لكانت أكثر ابهارا مثلما رصد فيلم     cast way  لقطة مرور الحوت الضخم إلى جانب البطل ، وإنما أرفع القبعة للقطة الرائعة التى صورت المياة فى لون أصفر يميل إلى الحمرة وسطح أملس كالزجاج يعكس السماء على صفحة المياه فيطبع نفس الصورة أرضا وعاليا لتُشعرك تلك الرؤية بفضاء العالم بأكمله من حول "باى" و"ريتشارد باركر"..
اللقطة التى ينتظر فيها "باى" أن ينظر له "ريتشادر باركر" فى نهاية رحلتهما وبعد أن وصلا معا إلى اليابسة جاءت ساحرة ، دموع "باى" وهو يحمله الجمع غير مستوعبا لوداعه ريتشارد باركر من دون أن يرسل إليه بنظرة تواصل أخيرة تجمعهما فطر قلبه وفطر قلبك معه ، ولكنه كان الأكثر منطقية وواقعية وإن كنت تميل إلى الإكليشيه المعهود فى الأفلام التى قد تقدم لك علاقة كهذه من دون أن  تعنى بمضمون الفِكر المُقدم بقدر ماهى تسعى لاجترار انسانيتك عنوة ..
الرسالة الايمانية التى يُقدمها الفيلم جاءت قوية للغاية ، ولكن شعور غريب ينتابنى بأنه ثمة تشتت ما فى مقصد السيناريو وكأن الفيلم ينقسم لأكثر من فكرة ..لا استطيع توضيح ما أرغب فى قوله لإننى فقط أراه فى مخيلتى من دون تجسيد ولكنى أميل إلى تصديقه ..
آخر كلمتين :

_ اللقطة التى يرى فيها "باى" السفينة وهى فى قاع المياه جاءت بارعة ذات هيبة وكذلك استخدم الموسيقى حينها أضفى عليها رونقا اضافيا ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"goodnight mommy"..أن لا تُبصِر بينما ترى

_نُشِر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم antichrist للمخرج "لارس فون ترير"، تبلغ البطلة الطور الكامل لنوبتها الإكتئابية، فيحل الوهم محل دماغها، ويوعز له بكل المُنكَرات، المُهلِكات، وفظائع الجُرم. تتحول تلك السيدة الرقيقة، واهنة الهيئة والقدرة إلى سفاحة متوحشة. يقودها الوهم إلى التمثيل بجسد من تحب، لتكن على يقين من أنه لن يُفارقها. تعتقد، وتمتطى إعتقادها إلى حتفها بنفس طيّعة. فما إن خَرِبَت رأسها، انتفت هويتها وضُلِلِ هواها. الوهم قتلها، وأمات الحب فيها وفيمن حولها. وفى حياة أخرى، موازية لحياة هذه البطلة المكتوبة فى سطور فيلم، شاهدتُ رجلا يحرص فى سيره، على أن يتحسس فى كل خطوة من خطاه الأرض من تحته. يومها، كنت برفقة زميل طبيب، وحينما رآنى وقد استغرقنى التحديق فى الرجل بإندهاش، أفادنى بأنها   إحدى أشكال حالة مرضية عقلية، تعرف بإسم" catatonia "، يتهيأ فيها للمريض أنه قد يفقد الأرض، لذا فهو يطمئن دوما لوجودها من تحته بتملسها كلما يُحرك قدما. وهماً آخر يدفع الحالات المتأخرة من نفس المرض، لأن تدّب فى مشيتها، ليسعها التأكد من وجود الأرض تحتها. الوهم أقصر الطر...

أضواء المدينة..الفيلم الذى يُضحِكك وإن ضَحك عليك

_نٌشر فى مجلة أبيض وأسود_ فى فيلم dangerous method 2011 يتبادل البطلان مناقشة شديدة الإيجاز حول مفهوم السعادة. فيقول أولهم: "السرور ليس بسيطا أبدا كما تعرفه أنت". فيبادره الآخر: "بل إنه كذلك، إلى أن نقر نحن بتعقيده". فيلم أضواء المدينة عام 1972 إخراج فطين عبد الوهاب وتأليف على الزرقانى، من الأفلام التى تؤيد الشِق الأخير من المناقشة، من الأفلام التى تمنح السعادة خيارا حقيقيا تطِل من خلاله ببساطة، ومن دون تكلف، أو محاولة زائفة للتحذلق والفلسفة المُدّعية. إنه الفيلم الذى ما إن تُعيد مشاهدته، تبتسم من مجرد ظهور تتراته، تستحضر معها روحه الخفيفة الطافية، وخيالات تلك الضحكات الماضية التى سبق وأن أغدق عليك بها.  تزورك لحظات البهجة التى خلقها خصيصا لك، وليس نظيرتها التى انخلقت فى مواقف مشابهة مع أفلام أخرى وفقا لظروف معينة، ملائمة لصناعة البهجة. أضواء المدينة هو الفيلم الذى يُضحكك ببساطة وإن ضحك عليك. سيناريو الحدوتة تبدو تقليدية، اعتدناها من السينما المصرية فى وقت سابق، ولاحق أيضا. ولكن ما ابتدعه السيناريو هنا، ابتكار مدخلا مختلفا آمنا، يسعه مجاراة دراما ...

"قنديل أم هاشم" .. مفهوم غير آمن للإيمان

_نُشر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم the skeleton key تظل البطلة تردد بهيستيرية " أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن" ولكن صوت داخلها يجهر بنقيض ما تصرخ به تماما، إنها تؤمن بالفعل، تؤمن أن السيدة العجوز التى تمارس عليها إحدى تعاويذها، ستتمكن من أذيتها فى آخر الأمر. تؤمن بالسحر الأسود، الذى لا يمكن أن تطال يده أحدا إلا إن كان مؤمن بوجوده وأفاعيله. و"يحى حقى" فى رواية قنديل أم هاشم تطرق لمفهوم الإيمان، خاض فى جانب غير آمن منه، جانب يبعث على الحيرة، ويشير إلى وجه آخر من وجوهه الداعية إلى القلق. فـ "الإيمان" كلمة ما إن ذُكِرت فى أى تراث، يحضر معها شرطيا شعور الراحة والسلام. ولكن الحقيقة ليست مثالية إلى هذا الحد، فـ "الإيمان" أحيانا قد يكون نقمة، قد يكون كُفرا موازيا بما يجب أن نؤمن به. فبطلة the skeleton key فى واقع الأمر لم تؤمن بالسحر، بقدر ما فقدت إيمانها بالرب. ومن هذه النقطة سيبدأ كلامنا عن فيلم "قنديل أم هاشم".. الفيلم الذى أعد السيناريو له "صبرى موسى"، ليطل على شاشة السينما بكل هذه التعقيدات الفكرية ال...