نٌشر فى موقع عين على السينما
..................................................

..................................................
"المستحيل": الفيلم الذى يخاطب حواسك الخمس
الجمعة 01 فبراير 2013 14:33:00

إسراء إمام*
عادة عندما تشاهد أفلام الكوارث الطبيعية تلمس تلك المعادلة التقليدية التى تتعثر بعناصرها تباعا بين المشاهد، مثل التفانى فى ابراز لقطات الدمار والخراب والمراهنة على الدفع بتقنياتها إلى الذروة لتخلب الألباب وتعمى الأبصار أحيانا عن القيمة السينمائية المٌقدمة إليك وسط كل هذه الجلبة الرخيصة مثلما حدث فى أفلام من عينة "2012 " و"يوم الاستقلال" و "ما بعد غد".
أما فيلم "المستحيل" The Impossible وبغض النظر عن أنه مأخوذ من قصة حقيقية فهو يميل بك على ضفة الواقع قليلا ، لا يسهب فى مغالاة الوحشية الشكلية للمشاهد التى يضرب فيها الفيضان أرض بلد قررت أسرة أمريكية قضاء عطلة لطيفة بها، وإنما يتعمق فى تكثيف الإحساس النفسى الشديد البشاعة فى لحظات كتلك.
نحن مثلا نرى لقطة مروعة لإحساس الأم وهى فى قلب موجات الفيضان. لا ترى أنت شيئا بينما تستمع إلى ما تستمتع هي إليه من صوت المياه الذى ينقطع أحيانا ويتلاشى ليعود مرة أخرى مع صورة قاتمة مظلمة لا تبلث أن تظهر ومن ثم تختفى بدورها من جديد ، حينها يتجسد لك فرط معاناة اللحظة فلا تحتاج لأي خدع جرافيكية مصطنعة تنقل إليك هول المأساة وفجاعتها.
من بعدها تتابع رحلة الأم مع ولدها الذى تلاقيه مصادفة بين الأمواج. وعلى نفس الوتر يدق المخرج خونا أنطونيو بايوناJuna Antonio Bayona فهو يجسد لك المعاناة الانسانية فى شعورهما معا بعد أن تيقنا من أن البقية الباقية من العائلة تحت أنقاض الفيضان، إحساس فطرى يداهمك بالإنفعال والمؤازرة تجاه ما تراه بعينيك من دون أن يجتر صناع الفيلم انسانيتك جبرا.
حوار قليل، والصورة هى التى تقص عليك الأحداث وتبث لك قبلها المشاعر فى ايقاع متماسك ومعالجة محكمة، ينقسم فيها النصف الأول تقريبا من الفيلم لينقل لك خطوات الأم مع ابنها الأكبر وحثِها له على إنقاذ طفل صغير استمعا إلى صوته من بعيد. ورغم اعتراض الإبن فى البداية لأن ذلك سيخل بوقتهما إلا أنه يذعن فى النهاية لرغبة أمه ، يتسلق ثلاثتهم شجرة عالية تحسبا لمجىء ضربة أخرى من الفيضان وإثر آهات الأم الجريحة وهى تعتلى بصعوبة الفروع ترى الطفل الصغير الذى اصطحباه معهما يربت على شعرها وذراعها فى حنو بالغ يلطّف من فجاجة آلامها هى ومن توترك أنت جراء كل ما يحدث.
مشاهد مكتوبة بعناية
أقل مشاهد فى الفيلم مكتوبة بعناية ومُتضمنة تفاصيل تخدم الدراما الصامتة التى تحدث وتحافظ عليك داخل الايقاع باحكام، ففى وقت تطلب فيه الأم من ابنها وهى على سريرها بالمستشفى المزدحمة بضحايا الفيضان أن يُقبل على تقديم المساعدة لأى منهم فإذا به يجوب أروقة المستشفى بالفعل فى محاولة لتجميع بعض الأفراد التى شتت شملها الفيضان معا مرة أخرى، ورغم تعدد المحاولات لم تنجح سوى واحدة يراقبها الولد من خلف النافذة على مبعده فيرى الأب وولده وقد وجد كل منهم حضن الآخر وفى الوقت الذى يهرول فيه فرحا ليُخبر والدته يكتشف أنها نُقلت من مكانها لينتهى به المطاف فى خيمة يُلصق علي ملابسه فيها اسمه وبياناته بين عدد غيره من الأطفال التى لم يُستدل على أهاليها. هذه النقلة النفسية القوية بين الهدوء والراحة التى تشعر بها مع الولد وهو يشاهد الطفل فى حضن والده وبين الذعر والهلع والغربة التى انتهى إليها تُحدث تباينا يدفع بحواسك كلها للتيقظ وانتظار الآتى بدون إلحاح ولا فرد عضلات.

وعلى هذا المنوال يرأف السيناريو بك فمن بعد الظلمة التى تعميك عن الرؤية أحيانا يأتى النور ليذيقك أملا جديدا فينتقل بك السرد فى النصف الثانى من الفيلم إلى الأب والولدين الباقيين لتكتشف أنهم على قيد الحياة ، وتمضى مع الأب فى رحتله وهو يبحث عن بقية الأسرة.
من اللفتات الرائعة لقطات "الفتومونتاج" التى تتوازى فيها ذاكرة الأم وقت تداهمها موجات الفيضان تفصيلا بين لقطات إجراء العملية الجراحية لها، لوهلة سيفضى بك هذا التوتر الدرامى إلى التصديق بأن الأم ستلقى حتفها.
"المستحيل" فيلم يسرد لك المستحيل بدون أية مغالاة على الرغم من انه يخاطب اكثر من حاسة تملُكلها، فيضعك فى اطار إنساني تارة وأخرى ينتشلك إلى حالة من التشويق وتارة ثالثة يجعلك شاهدا على بصريات كارثة طبيعية حقيقة، وفى رأيى هو من أفضل الأفلام المُرشحة لهذا العام.
آخر كلمتين
* اللقطة التى يجتمع فيها شمل العائلة والتى تسبقها عدة لقطات شديدة التشويق يُمكنها أن تنال من أعصابك وقدرتك على المتابعة الكثير ومن بعدها تحوز على دموعك.
* فى أكثر التفاصيل روعة إصرار الولد على إخبار والدته فى نهاية الفيلك أنه شاهد الطفل "دانيال" الذى أنقذه بامر منها فى أول الفيلم بين يدى والده سعيدا يبتسم .
* نعومي ووطس وإيوان ماجريجر وأداء الأطفال كان أكثر من ساحر.
* صحفية وناقدة من مصر
تعليقات
إرسال تعليق