التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نانسى مايرز ... سينما الحُلم والرومانسيات الشائكة

نُشر فى جريدة القاهرة
.............................................................................



إسراء إمام
إنها السيدة التى نبشت عن ميولها الفنية مبكرا، وقررت العمل بالسينما لتضفى بنكهتها الأنثوية نثرات عبيرية على الشخصيات التى اختقلتها فى أفلامها سواء كانوا رجالا أو نساءا ...
نانسى مايرز ..
كاتبة ومخرجة يكمن سحرها فى بساطتها، ويتفرد فيلمها بحالة تخصها وحدها تدمج فيها الانفعالات الانسانية بين ثنايا المشاعر العاطفية مع قليل من التعقيدات البشرية فيصبح المزيج ثريا بالقدر الذى يدفع بك إلى أن تتساءل إلى من تنتمى هذه البصمة البسيطة الغائرة الأثر ...
من هى نانسى ؟؟
كإجراء تقليدى لابد من معرفة بعض الخلفيات عن هذه السيدة التى ولدت فى فيلادلفيا وسعت بعد تخرجها  من جامعتها فى واشنطن للإنتقال إلى لوس أنجلوس للإقامة لدى شقيقتها للشروع فى تحقيق حلمها لتبدأ نشاطها الفنى فى هوليود، بعدما قضت فترة ماضية فى متابعة المسرح بشغف و العمل على إثقال معرفتها بفن السيناريو، وبالفعل بدأت نانسى عملها بداية من التليفزيون ومن ثم مساعدة لمخرجين مهمين فى السينما منهم مارتين اسكورسيززى إلى أن أخرجت أول أفلامها "the parent trap" والذى شاركت أيضا فى كتابته بعدما امضت وقتا تفرغت فيه لكتابة السناريو مناصفة مع عدة أشخاص فى أفلام مثل "private Benjamin" بطولة جولدى هاون 1980، "baby boom" 1987 لـ ديان كيتون، والفيلم الأشهر "father of the pride" بجزأيه لـ ستيف مارتن، إلى جانب "I love trouble" 1994 لـ جوليا روبرتس ونيك نولتى ..
وإذا تمعنا نانسى فى هذه المرحلة التى تفرغت فيها للكتابة مناصفة مع آخرين، فسيمكننا بجدية أن نطلق عليها مرحلة الـ"نصفية" فعلى قدر ألمعية كثير من الأعمال السابقة إلا أنها لم تكن بعد مصطبغة بشخصية نانسى المستقلة والتى تجّلى نضجها فيما بعد حيث اكسبتها الخبرة مع براح الخصوصية حالة أخرى اتضحت فيها ملامحها وسماتها التى ميزتها بشكل عنيف..
محطات فارقة
على الرغم من أن"what woman want" فيلم ميل جيبسون الشهير عام 2000 هو الفيلم الذى أخرجته مايرز فقط دون أن تشترك أبدا فى كتابته إلا أنه يعد من البدايات التى دفعت بها فى مصاف المثيرين للجدل، فمعها ميل جيبسون ظهر فى طلة مغايرة جمع فيها بين سحره الذكورى الذى طالما تحاكى عنه الجميع فى ذلك الوقت وبين تلك التفاصيل الدقيقة التى طرأت على سلوكه بعدما واتته المصادفة البحتة لأن يقدر على قراءة أفكار النساء، وعلى الرغم من أن العنصر القوى فى الفيلم هو السيناريو وتلك الفكرة المتألقة التى جذبت انتباه الكثيرين إلا أن الصورة ومكملات المعالجة وانسيابية الحدث ورقى البسمة كلا أتى فى اطار تلك العذوبة التى تملكها مايرز والتى ستعهدها جيدا عندما تتعرض لأفلامها جماعا وكأن شخصيتها تحمل عبق تتعرف عليه وتقوى على تمييزه بغير دليل مادى على وجوده ..
"something’s gotta give" ...2003
يعتبر من أهم أفلام نانسى مايرز والتى قامت باخراجها وكتابتها، إنها قصة الحب التى نسجتها المفارقة البحتة بين رجل وامرأة فى اواخر العُمر، فبعدما كان يعشق هذا الرجل الكهل"جاك نيكلسون" مواعدة الفتيات الصغار يقوده القدر بسلاسة ليعشق والدة فتاة من هؤلاء "ديان كيتون" حينما تباهته أزمة قلبية فى منزل الفتاة فتضطر والدتها للعناية به مرُغمة فى البداية عاشقة له فى نهاية الأمر، القصة بحد ذاتها يلفها البريق من عدة مستويات فعلى صعيد ما لديك تلك المكونات التى يُمكن أن تحويها المشاعر العاطفية بين شخصين فى هذا العمر إلى جانب شخصية "جاك نيكلسون" الأكثر تعقيدا فى ترددها وعدم تفهمها لذاتها وتوقها الغريب للفتيات الصغار، إضافة إلى العلاقة الطارئة التى تظهر فى حياة "كيتون" فى نفس الوقت بينها وبين الطبيب المُعالج ل"نيكلسون" والذى قام بدوره "كيانو ريفز"، كل هذه العناصر أودت بالمعادلة الدرامية فى الفيلم إلى محنى متزن لم يكتفى بالاعتماد على صدى الفكرة فى حد ذاته.
عدد من الصغائر التى بنيت عليها المعالجة اضفت قدر من الابهار وخلق حالة من الشغف مثلا المراسلة الإنترنتية بين البطلين رغم تواجدهما فى منزل واحد، اختيار المنزل نفسه الذى وقعت فيه الأحداث والشاطىء الساحر الذى يطل عليه ويدفعك محتسبا اياه قطعة من الجنة ..
The hoiday”"..  2006
فكرة التبادل بين الفتاتين "كيت وينسلت" و"كاميرون دياز" لتحل كل منهما محل الأخرى فى فترة الأجازة جاءت على طريقة مايرز مختلفة لم يتطابق فيها وجهيهما فتتنازل كل واحدة منهما للأخرى عن حياتها لفترة بينما هنا التبادل كان فيما يخص الممتلكات وشكل الحياة ذاتها، العامل الأقوى فيه تمثل فى التفاعل الانسانى الذى أحدثه ذلك الاحلال على شخصياتهما.. واحدة تخطت ضعفا توارى من خلفه قوة والأخرى عاشت لحظات الضعف التى لابد أن يمرق عليها أى شخص ليصل إلى حد ما إلى طور الاكتمال، الفيلم جاء معبرا ومُلهما ولكنك دوما ستشعر فى مرات مشاهدته أن مايرز لم تكن فى حالتها البراقة المعهودة وبأن ثمّة شىء مفقود ..
Its complicated.. 2009
امرأة تتورط فى علاقة سرية مع طليقها المتزوج !..
مبدئيا هذا يعد ذروة التعقيد الذى عبر عنه عنوان الفيلم، والذى يُبرز قدرة مايرز على التقاط الخيوط الشائكة فى الحياة الانسانية قبل العاطفية لتناولها بشكل سلس هادىء قادرا أن يحدث الأثر المطلوب، تتعاطى معه هى بحرص وتحدى فى أن تحتفظ بالابتسامة على شفتيك والفكرة فى عقلك والاحساس بقلبك، ولم تكتفى بكل هذا بينما خلقت خطا آخر تنبت فيه علاقة بين نفس السيدة "ميريل استريب" وبين المهندس الذى يعمل على ديكور منزلها "ستيف مارتن" لتجد تلك المرأة نفسها فى حيرة مضنية بين الرجلين لتنتقل قصدية التعقيد هنا إلى مفهوم أشمل عن العلاقات بشكل عام ...
مشهد لن تنساه فى هذا الفيلم .. عندما تتراقص "استريب" مع طليقها "اليك بالدوين" ويقف الجميع مشدود لترقب ذلك السحر الذى يجمعهما لدرجة تنزوى فيها زوجة "اليك بالدوين" دامعة العينين وقد اعتدت انت عليها منذ بداية الفيلم امرأة قوية محايدة الأحاسيس..
سمات عامة تجمع بين أفلام مايرز
_فى أفلام مايرز ستظل فى حالة حيرة  تتساءل فيها عن ما ستؤول إليه الأحداث حتى بعد مرور وقت ليس هين تبقى أنت على غير هدى بما ستنقلك اليه الدراما، معها دوما لن تتوقع ما سيحدث رغم أن ذلك تلاشى بعض الشىء فى فيلم the holiday  ..
_القرب بين البطلين دوما يحدث وهم يشتركان معا فى فعل شىء ما، مثلا فى "some thing’s gotta give" يصل البطلين إلى ذورة قربهما فى المشهد الذى ينتويان فيه التمرد على النوم والقيام بعمل بعض الكعك،وفى it’s complicated  يتكرر مشهد المطبخ بين "ميريل استريب" و"ستيف مارتن" ،وفى the holiday يحدث نفس الشىء بين "وينسلت" و"جاك بلاك" ولكن هذه المرة وهم يتمرنان على الألحان التى يؤلفها "بلاك"...
_ مفارقات التعرى والتى يُبنى بعدها انتقال ملحوظ فى الدراما، مثلا فى "some thing’s gotta give" تبقى العلاقة بين البطلين جامدة متحفظة حتى يحدث بالمصادفة رؤية "نيكلسون" لـ"ديان" وهى عارية، من بعدها تتح لهم الحادثة تبادل حديثا أكثر حيوية ولو حتى من باب التندر على ما حدث، وفى it’s complicated يتعرى "بالدرويك" فى محاولة لاستعادة "استريب" للعلاقة من جديد وهو لا يعلم أن كاميرا الانترنيت تنقل صورته لـ"ستيف مارتن" وعلى قدر الضحكات التى ستنتزعها منك هذه اللقطات الا ان بعدها تتكشف علاقة الطليقين لأولادهما ولـ"مارتن" نفسه ويسود جو من التوتر الذى يودى بتأزم الوضع المستمر طوال الفيلم إلى حل..
_ أحد الأبطال دوما عند مايرز متردد فى قرراته يميل أكثر إلى الانسحاب بينما يغير قراره فى النهاية  ليعود باقبال حميمى وحار، على هذه لشكيلة كان "نيكلسون" فى some thing’s gotta give ..."دياز" فى the holiday .."مارتن" فى it’s complicated .
_ دوما لدى مايرز اعتراف ضمنى بأن مشاعرنا عُرضة لأن تتحرك فى اتجاهين، "كيتون" انجذبت لـ "نيكلسون" فى نفس الوقت الذى كنّت فيه اعجاب للطبيب الذى يعالجه فى some thing’s gotta give، وفى its complicated  حدث الشىء ذاته مع "ميريل استريب"، وفى the holiday  خاضت كل من الفتاتين قصة حب جديدة بينما لم تنهتى تماما حياتهما العاطفية الماضية ..
_ haz zimer وهو من اقوى المُؤلفين الموسيقيين فى هوليود، لن يفوتك أن تستمع بكونه واضع موسيقى  عدد لا بأس به من أفلام مايرز..
آخر كلمتين:

مايرز مُقلة فى أعمالها اضافة إلى أن ليس ثمّة فيلما تقوم بالاعداد له فى الفترة الحالية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"goodnight mommy"..أن لا تُبصِر بينما ترى

_نُشِر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم antichrist للمخرج "لارس فون ترير"، تبلغ البطلة الطور الكامل لنوبتها الإكتئابية، فيحل الوهم محل دماغها، ويوعز له بكل المُنكَرات، المُهلِكات، وفظائع الجُرم. تتحول تلك السيدة الرقيقة، واهنة الهيئة والقدرة إلى سفاحة متوحشة. يقودها الوهم إلى التمثيل بجسد من تحب، لتكن على يقين من أنه لن يُفارقها. تعتقد، وتمتطى إعتقادها إلى حتفها بنفس طيّعة. فما إن خَرِبَت رأسها، انتفت هويتها وضُلِلِ هواها. الوهم قتلها، وأمات الحب فيها وفيمن حولها. وفى حياة أخرى، موازية لحياة هذه البطلة المكتوبة فى سطور فيلم، شاهدتُ رجلا يحرص فى سيره، على أن يتحسس فى كل خطوة من خطاه الأرض من تحته. يومها، كنت برفقة زميل طبيب، وحينما رآنى وقد استغرقنى التحديق فى الرجل بإندهاش، أفادنى بأنها   إحدى أشكال حالة مرضية عقلية، تعرف بإسم" catatonia "، يتهيأ فيها للمريض أنه قد يفقد الأرض، لذا فهو يطمئن دوما لوجودها من تحته بتملسها كلما يُحرك قدما. وهماً آخر يدفع الحالات المتأخرة من نفس المرض، لأن تدّب فى مشيتها، ليسعها التأكد من وجود الأرض تحتها. الوهم أقصر الطر...

أضواء المدينة..الفيلم الذى يُضحِكك وإن ضَحك عليك

_نٌشر فى مجلة أبيض وأسود_ فى فيلم dangerous method 2011 يتبادل البطلان مناقشة شديدة الإيجاز حول مفهوم السعادة. فيقول أولهم: "السرور ليس بسيطا أبدا كما تعرفه أنت". فيبادره الآخر: "بل إنه كذلك، إلى أن نقر نحن بتعقيده". فيلم أضواء المدينة عام 1972 إخراج فطين عبد الوهاب وتأليف على الزرقانى، من الأفلام التى تؤيد الشِق الأخير من المناقشة، من الأفلام التى تمنح السعادة خيارا حقيقيا تطِل من خلاله ببساطة، ومن دون تكلف، أو محاولة زائفة للتحذلق والفلسفة المُدّعية. إنه الفيلم الذى ما إن تُعيد مشاهدته، تبتسم من مجرد ظهور تتراته، تستحضر معها روحه الخفيفة الطافية، وخيالات تلك الضحكات الماضية التى سبق وأن أغدق عليك بها.  تزورك لحظات البهجة التى خلقها خصيصا لك، وليس نظيرتها التى انخلقت فى مواقف مشابهة مع أفلام أخرى وفقا لظروف معينة، ملائمة لصناعة البهجة. أضواء المدينة هو الفيلم الذى يُضحكك ببساطة وإن ضحك عليك. سيناريو الحدوتة تبدو تقليدية، اعتدناها من السينما المصرية فى وقت سابق، ولاحق أيضا. ولكن ما ابتدعه السيناريو هنا، ابتكار مدخلا مختلفا آمنا، يسعه مجاراة دراما ...

"قنديل أم هاشم" .. مفهوم غير آمن للإيمان

_نُشر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم the skeleton key تظل البطلة تردد بهيستيرية " أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن" ولكن صوت داخلها يجهر بنقيض ما تصرخ به تماما، إنها تؤمن بالفعل، تؤمن أن السيدة العجوز التى تمارس عليها إحدى تعاويذها، ستتمكن من أذيتها فى آخر الأمر. تؤمن بالسحر الأسود، الذى لا يمكن أن تطال يده أحدا إلا إن كان مؤمن بوجوده وأفاعيله. و"يحى حقى" فى رواية قنديل أم هاشم تطرق لمفهوم الإيمان، خاض فى جانب غير آمن منه، جانب يبعث على الحيرة، ويشير إلى وجه آخر من وجوهه الداعية إلى القلق. فـ "الإيمان" كلمة ما إن ذُكِرت فى أى تراث، يحضر معها شرطيا شعور الراحة والسلام. ولكن الحقيقة ليست مثالية إلى هذا الحد، فـ "الإيمان" أحيانا قد يكون نقمة، قد يكون كُفرا موازيا بما يجب أن نؤمن به. فبطلة the skeleton key فى واقع الأمر لم تؤمن بالسحر، بقدر ما فقدت إيمانها بالرب. ومن هذه النقطة سيبدأ كلامنا عن فيلم "قنديل أم هاشم".. الفيلم الذى أعد السيناريو له "صبرى موسى"، ليطل على شاشة السينما بكل هذه التعقيدات الفكرية ال...