التخطي إلى المحتوى الرئيسي

“lincoln” .. الفيلم الذى يجُرعك ما يحب أن يقوله بملعقة صدئة

نُشر فى مجلة مصرى

إسراء إمام
                          تمهلت ليلة كاملة على غير العادة لكى أخط بعض السطور عن فيلم اسمه "لينكولن"..            
                           
وهو الفيلم الذى يسرد لك أهم فترة من حكم الرئيس ابراهام لينكولين للولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1865، إذا فهو بالتأكيد يجسد صراعا مهولا خاضه لينكولن عندما أراد أن يعدّل دستور الولايات المتحدة فيما يفيد بإلغاء عبودية الزنوج ..
أنت أمام سينما سياسية بحتة ..
وهذا النوع يحتاج إلى براعة من نوع خاص ، فالمُهمة الأولى لصانعى مثل هذه الأفلام هو الاستيلاء على عقل وقلب وحواس المشاهد معا وإن ولى أحد تلك العناصر فحتما ستختل المعادلة ..
"لينكولن" يدور فى فلك قضية محورية واحدة بالرغم من دسامتها إلا أنها ستظل محدودة ومفسحة مجالا لنسيج سينمائى مُحكم رونقه يأتى من القدرة على العمل المضن لتخفيف النزعة السياسية المُضمنة فى قضية كهذه وتقديمها بصيغ سينمائية أكثر دهاءا ..
بينما ما حدث فى "لينكولن" يجافى كل ما فات ..وبالذات فى النصف الأول من الفيلم ، يبدأ المشهد فلا تعرف موقعك أنت كمشاهد منه .. وتبذل جهدا عظيما لكى ترتكز على محورا اساسيا فيه ومن ثم تبدأ فى الاستمتاع به، تُقدم إليك المعلومة بطريقة مباشرة وقاسية مستعصية على الفهم أحيانا فتجد نفسك لاهثا بين مشاهد متلاحقة وحوارات طويلة وثقيلة وعلى الرغم من المامك بما يحدث إلا أن داخلك يشعر فى بعض الاحيان بالاختناق ، لوهلة سشتعر انك تحتاج استراحة تخالف استراحات السينما النصفية المعهودة لتجعلها أنت عشر دقائق بعد كل اربعة مشاهد !!
وفى وسط معركتك الضارية تتفكر "لم يعد لدى الوقت لكى أعرف عن لينكولن" ..
تراه أمامك وتشعر أنك لم تراه ، يغيب دوما فى زحمة الاحداث وشخصه يتلاشى أمام الآخرين لن تعرف عنه إلا قليل القليل وفى رأيى زوجته برزت كشخصية انسانية لها ملامح واضحة ومحددة أكثر منه ، فضلا عن العلاقة الصماء التى قدمها لك الفيلم بينهما بخلاف تجسيد "سالى فيلد" لدور الزوجة وهى تضاعف "دانيال داى لويس" الذى قام بدور لينكولن ، للمفارقة ظننتها فى بادىء الأمر والدته !!
أنت هنا أمام سيناريو يسعى بغشامة لأن يلقّمك معركة تعديل الدستور بملعقة اهترت جوانبها صدءا !!
تتساءل دوما وأنت تشاهده ..
ساعتين ..هل هما حقا ساعتين وأكثر لكى أشاهد معركة تعديل الدستور فقط !!
مشاهد كثيرة فى مجلس النواب يمكن اختصارها ، ومشاهد عدة كان يمكن الاقتطاع منها لصالح الدراما ولكن مثل ذلك لم يحدث ..
على الرغم من كل شىء تستمتع بأداء "دانيال داى لويس" فتشهد له فى هذا الدور المنقوص بالذات بالبراعة لأن ما لمسته من لينكولن هو ما سربه إليك لويس وليس ما كان مكتوب بخصوصه فى السيناريو ، "توملى جونز" من الجماليات التى ستظل تذكرها فى الفيلم وشخصيته من أكثر الشخصيات المعنى بكتابتها فى السيناريو فهى شخصية ستدخل قلبك ولن تخرج ابدا يقدمها لك عملاق عينيه تكفى لكى تعلق دوما فى ذهنك، "جوزيف جوردن ليفيت" لم يستحق أن يظهر فى دورا كهذا مقتضب ومشوه لن تشعر به ابدا ..
فى نفس العام شاهدت " j.edgar " ..
فى إدجار يقدم لك "كلينت ايستود" حياة صاحب فكرة مكتب المباحث الفيدرالية ..
ورغم فارق الأهمية بين شخصية لينكولن وشخصية إدجار ..
إلا أنك سترفع القبعة لإيستود الذى خطفك من عالمك بمنتهى السلالة ليُقدمك لشخصية من الممكن أن تكون أنت غير مهتم من الأساس بالمعرفة عنها ..
بينما ظلمك "سبيلبرج" عندما وضعك بين ركام من الاحداث المتلاحقة والحوار الكثيف وأنت تريد بشغف سينمائى بحت المعرفة عن شخصية طالما تقت اليها اسمها "ابراهام لينكولن " ...
لينكولن فيلم يستحق أن تشاهده وعلى الرغم من كل شىء يبقى عدد من المشاهد القوية التى تملصت من القبضة الحديدية التى تواجدت بإحكام فى معظم الفيلم ...
آخر كلمتين :
_ لم أتوقع المزيد من "سبيلبيرج" وعندما علمت فى بادىء الأمر أنه من سيقوم بعمل كهذا ، لم أتوسم خيرا فى مخرج دوما يهتم بالتكنيك على حساب الروح السينمائية ..لا انتمى لـ"سيبلبيرج" رغم عبقريته التى يشهد لها الجميع .. ولم أشهد له سوى فى فيلمين "e.t" و "catch me if u can" ..
_ مشاهد لن أنساها فى لينكولين أشيد بهما مشهد الحلم واللقطة فيما بعده التى جمعت بينه وبين زوجته فى المرآه ، ومشهد تراجعه عن الاتيان بوفد السلام إلى العاصمة واشنطن ، وآخر مشهد قبل موت لينكولن عندما أخبر من يجالسهم قبل ذهابه "لقد كنت أتمنى أن أمكث أكثر ولكن على الذهاب "...

_استخدام الموسيقى فى الفيلم بدائى وغير فعال على الاطلاق..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"goodnight mommy"..أن لا تُبصِر بينما ترى

_نُشِر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم antichrist للمخرج "لارس فون ترير"، تبلغ البطلة الطور الكامل لنوبتها الإكتئابية، فيحل الوهم محل دماغها، ويوعز له بكل المُنكَرات، المُهلِكات، وفظائع الجُرم. تتحول تلك السيدة الرقيقة، واهنة الهيئة والقدرة إلى سفاحة متوحشة. يقودها الوهم إلى التمثيل بجسد من تحب، لتكن على يقين من أنه لن يُفارقها. تعتقد، وتمتطى إعتقادها إلى حتفها بنفس طيّعة. فما إن خَرِبَت رأسها، انتفت هويتها وضُلِلِ هواها. الوهم قتلها، وأمات الحب فيها وفيمن حولها. وفى حياة أخرى، موازية لحياة هذه البطلة المكتوبة فى سطور فيلم، شاهدتُ رجلا يحرص فى سيره، على أن يتحسس فى كل خطوة من خطاه الأرض من تحته. يومها، كنت برفقة زميل طبيب، وحينما رآنى وقد استغرقنى التحديق فى الرجل بإندهاش، أفادنى بأنها   إحدى أشكال حالة مرضية عقلية، تعرف بإسم" catatonia "، يتهيأ فيها للمريض أنه قد يفقد الأرض، لذا فهو يطمئن دوما لوجودها من تحته بتملسها كلما يُحرك قدما. وهماً آخر يدفع الحالات المتأخرة من نفس المرض، لأن تدّب فى مشيتها، ليسعها التأكد من وجود الأرض تحتها. الوهم أقصر الطر...

أضواء المدينة..الفيلم الذى يُضحِكك وإن ضَحك عليك

_نٌشر فى مجلة أبيض وأسود_ فى فيلم dangerous method 2011 يتبادل البطلان مناقشة شديدة الإيجاز حول مفهوم السعادة. فيقول أولهم: "السرور ليس بسيطا أبدا كما تعرفه أنت". فيبادره الآخر: "بل إنه كذلك، إلى أن نقر نحن بتعقيده". فيلم أضواء المدينة عام 1972 إخراج فطين عبد الوهاب وتأليف على الزرقانى، من الأفلام التى تؤيد الشِق الأخير من المناقشة، من الأفلام التى تمنح السعادة خيارا حقيقيا تطِل من خلاله ببساطة، ومن دون تكلف، أو محاولة زائفة للتحذلق والفلسفة المُدّعية. إنه الفيلم الذى ما إن تُعيد مشاهدته، تبتسم من مجرد ظهور تتراته، تستحضر معها روحه الخفيفة الطافية، وخيالات تلك الضحكات الماضية التى سبق وأن أغدق عليك بها.  تزورك لحظات البهجة التى خلقها خصيصا لك، وليس نظيرتها التى انخلقت فى مواقف مشابهة مع أفلام أخرى وفقا لظروف معينة، ملائمة لصناعة البهجة. أضواء المدينة هو الفيلم الذى يُضحكك ببساطة وإن ضحك عليك. سيناريو الحدوتة تبدو تقليدية، اعتدناها من السينما المصرية فى وقت سابق، ولاحق أيضا. ولكن ما ابتدعه السيناريو هنا، ابتكار مدخلا مختلفا آمنا، يسعه مجاراة دراما ...

"قنديل أم هاشم" .. مفهوم غير آمن للإيمان

_نُشر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم the skeleton key تظل البطلة تردد بهيستيرية " أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن" ولكن صوت داخلها يجهر بنقيض ما تصرخ به تماما، إنها تؤمن بالفعل، تؤمن أن السيدة العجوز التى تمارس عليها إحدى تعاويذها، ستتمكن من أذيتها فى آخر الأمر. تؤمن بالسحر الأسود، الذى لا يمكن أن تطال يده أحدا إلا إن كان مؤمن بوجوده وأفاعيله. و"يحى حقى" فى رواية قنديل أم هاشم تطرق لمفهوم الإيمان، خاض فى جانب غير آمن منه، جانب يبعث على الحيرة، ويشير إلى وجه آخر من وجوهه الداعية إلى القلق. فـ "الإيمان" كلمة ما إن ذُكِرت فى أى تراث، يحضر معها شرطيا شعور الراحة والسلام. ولكن الحقيقة ليست مثالية إلى هذا الحد، فـ "الإيمان" أحيانا قد يكون نقمة، قد يكون كُفرا موازيا بما يجب أن نؤمن به. فبطلة the skeleton key فى واقع الأمر لم تؤمن بالسحر، بقدر ما فقدت إيمانها بالرب. ومن هذه النقطة سيبدأ كلامنا عن فيلم "قنديل أم هاشم".. الفيلم الذى أعد السيناريو له "صبرى موسى"، ليطل على شاشة السينما بكل هذه التعقيدات الفكرية ال...