التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فيلم"الجلسات"..عندما تفعل اللاشىء وأنت تشاهد فيلما


نُشر فى جريدة القاهرة
..............................................................
كتبت_إسراء إمام
بين قصدية إرساء معنى أوإحساس معين والنجاح فى ذلك تكمن قيمة العمل الفنى ..
عدد من الأفلام لا تملك حتى تلك الشحنة من المشاعر التى تنتوى إيلاجها إلى نفس المشاهد وحواسه،ولكن "the sessions” لم ينتهج هذه الطريقة الهوجائية فى التخطيط لمضمونيته كما أنه لم يتخلص منها تماما فبقيت سمة من سمات المعالجة الباهتة التى ستحيل صورة الفيلم فى ذهنك إلى غيمة لا تعدو حتى كونها رمادية وإنما تكتسب لونا أكثر شحوبا بكثير ..
إفتتاحية تقليدية حد الموت لقطات متتابعة للبطل الذى نجح وأثبت ذاته أدبيا فى الكتابة رغم إعاقته القوية ، موسيقى تشعر أنك استمعت إليها مرارا إضافة لكينونتها الغير مناسبة لطبيعة الموضوع وفيما بعد ستكتشف الهوة الملفتة بين طبيعة الموسيقى فى بداية الفيلم وفى منتصفه تقريبا ، لقطات البداية كانت بمثابة بطاقة تعريفك بالبطل وبحالته الملفتة للنظر ومن ثم فجأة تجد نفسك فى مواجهة بينك وبينه وسط شعور من الغربة لا يساعدك على تجاوزه صوب الفيلم بأكمله وليس بطله فقط ..
ثم تأتى صداقة وطيدة تجمعه بأب فى الكنيسة ليعترف له برغباته الجسدية التى لم يختبرها من قبل على أرض الواقع نظرا لطبيعة إعاقته ، وكعادة محاكاة سيناريو الفيلم لكل شىء تأتى تلك الصداقة بغير هوية ويُختزل فيها احساس البطل ومعاناته فى افتقاده للتجربة الجنسية التى وبلا شك تمثل له حياة إنسانية كامله ولكن الفكرة الأخيرة عليك أنت استنتاجها من بين طريقة الفيلم المتأنية إلى حد الفراغ أحيانا فى توصيف المنظومة الشعورية للبطل ، وقتا وتظهر المعالجة الجنسية التى استـأجر خدماتها على هيئة جلسات تعمل فيها على إكسابه ثقة فى جسده ودفعه لأن يختبر العلاقة الحقيقية ، فى مسحة شاملة تتعرف على حياة هذه السيدة فتعلم أنها غير سعيدة لأسباب لا تُقنعك أبدا فقط اكتفى السيناريو بالتفاصيل التقليدية ..تلك القسمات الباردة على وجه الزوج والفتور الامنطقى طوال الوقت بينهما فيما عدا ذلك المشهد الذى احتج فيه الزوج على إرسال البطل شعرا حارا إلى معالجته على عنوان بيتها ورغم انكسار وتيرة النمطية حينها إلا أنك تقع حتما فى شرك التشتت وأنت حتى لا تجد ما يأخذ بيدك ليهديك إلى طبيعة العلاقة بين الزوجين من الأساس.
وقتا اضافيا آخر ليس بكبير تمضيه فى الرحلة التى يجازها البطل مع معالجته إلى أن يصل كل منهما إلى نقطة النشوة فى العلاقة الجسدية التى بدأت مهنية ومن ثم فجأة انقلبت رأسا على عقب إلى مشهد يتبادل فيه كل منهما جملة "أحبك" بكل بساطة !!..
لوهلة تشعر أنك ارتأيت بأم عينك المعادلة البدائية التى قام عليها الفيلم ..
شخص معاق يحتاج إلى أن يحيا بطبيعية +امرأة تفتقد شيئا ما فى حياتها = علاقة حب =تغيير ما فى حياة كل منهما أو فى حياته هو بشكل أكبر ، بالطبع هى معادلة قيّمة ولكن المشكلة الأساسية تتمحور فى تقديم الفيلم لها كما هى وعدم محاولته التطرق إلى الغيبيات والتعمق أكثر فى المادة الثرية التى يملكها ..
"the sessions" فيلم يمكنك أن تنسى أنك عكفت على مشاهدته بعد خمسة دقائق منها ، "هيلين هانت" رغم انحيازى لها كممثلة ولكنى أشعر أننى لم أراها من الأساس وألحت على ّ فكرة ترشيحها كأفضل ممثلة عن هذا الدور لدرجة أعيتنى أحيانا وإن كان ثمّة ترشيح ما لهذا الفيلم فإن "جون هوكس" هو الأحق به ..
آخر كلمتين:

_ لم أنتظر حتى نهاية الفيلم وأى كانت ماهيتها فهى لم تعد فارقة وكأننى كنت أمارس الاشىء وأنا أشاهده..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"goodnight mommy"..أن لا تُبصِر بينما ترى

_نُشِر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم antichrist للمخرج "لارس فون ترير"، تبلغ البطلة الطور الكامل لنوبتها الإكتئابية، فيحل الوهم محل دماغها، ويوعز له بكل المُنكَرات، المُهلِكات، وفظائع الجُرم. تتحول تلك السيدة الرقيقة، واهنة الهيئة والقدرة إلى سفاحة متوحشة. يقودها الوهم إلى التمثيل بجسد من تحب، لتكن على يقين من أنه لن يُفارقها. تعتقد، وتمتطى إعتقادها إلى حتفها بنفس طيّعة. فما إن خَرِبَت رأسها، انتفت هويتها وضُلِلِ هواها. الوهم قتلها، وأمات الحب فيها وفيمن حولها. وفى حياة أخرى، موازية لحياة هذه البطلة المكتوبة فى سطور فيلم، شاهدتُ رجلا يحرص فى سيره، على أن يتحسس فى كل خطوة من خطاه الأرض من تحته. يومها، كنت برفقة زميل طبيب، وحينما رآنى وقد استغرقنى التحديق فى الرجل بإندهاش، أفادنى بأنها   إحدى أشكال حالة مرضية عقلية، تعرف بإسم" catatonia "، يتهيأ فيها للمريض أنه قد يفقد الأرض، لذا فهو يطمئن دوما لوجودها من تحته بتملسها كلما يُحرك قدما. وهماً آخر يدفع الحالات المتأخرة من نفس المرض، لأن تدّب فى مشيتها، ليسعها التأكد من وجود الأرض تحتها. الوهم أقصر الطر...

أضواء المدينة..الفيلم الذى يُضحِكك وإن ضَحك عليك

_نٌشر فى مجلة أبيض وأسود_ فى فيلم dangerous method 2011 يتبادل البطلان مناقشة شديدة الإيجاز حول مفهوم السعادة. فيقول أولهم: "السرور ليس بسيطا أبدا كما تعرفه أنت". فيبادره الآخر: "بل إنه كذلك، إلى أن نقر نحن بتعقيده". فيلم أضواء المدينة عام 1972 إخراج فطين عبد الوهاب وتأليف على الزرقانى، من الأفلام التى تؤيد الشِق الأخير من المناقشة، من الأفلام التى تمنح السعادة خيارا حقيقيا تطِل من خلاله ببساطة، ومن دون تكلف، أو محاولة زائفة للتحذلق والفلسفة المُدّعية. إنه الفيلم الذى ما إن تُعيد مشاهدته، تبتسم من مجرد ظهور تتراته، تستحضر معها روحه الخفيفة الطافية، وخيالات تلك الضحكات الماضية التى سبق وأن أغدق عليك بها.  تزورك لحظات البهجة التى خلقها خصيصا لك، وليس نظيرتها التى انخلقت فى مواقف مشابهة مع أفلام أخرى وفقا لظروف معينة، ملائمة لصناعة البهجة. أضواء المدينة هو الفيلم الذى يُضحكك ببساطة وإن ضحك عليك. سيناريو الحدوتة تبدو تقليدية، اعتدناها من السينما المصرية فى وقت سابق، ولاحق أيضا. ولكن ما ابتدعه السيناريو هنا، ابتكار مدخلا مختلفا آمنا، يسعه مجاراة دراما ...

"قنديل أم هاشم" .. مفهوم غير آمن للإيمان

_نُشر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم the skeleton key تظل البطلة تردد بهيستيرية " أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن" ولكن صوت داخلها يجهر بنقيض ما تصرخ به تماما، إنها تؤمن بالفعل، تؤمن أن السيدة العجوز التى تمارس عليها إحدى تعاويذها، ستتمكن من أذيتها فى آخر الأمر. تؤمن بالسحر الأسود، الذى لا يمكن أن تطال يده أحدا إلا إن كان مؤمن بوجوده وأفاعيله. و"يحى حقى" فى رواية قنديل أم هاشم تطرق لمفهوم الإيمان، خاض فى جانب غير آمن منه، جانب يبعث على الحيرة، ويشير إلى وجه آخر من وجوهه الداعية إلى القلق. فـ "الإيمان" كلمة ما إن ذُكِرت فى أى تراث، يحضر معها شرطيا شعور الراحة والسلام. ولكن الحقيقة ليست مثالية إلى هذا الحد، فـ "الإيمان" أحيانا قد يكون نقمة، قد يكون كُفرا موازيا بما يجب أن نؤمن به. فبطلة the skeleton key فى واقع الأمر لم تؤمن بالسحر، بقدر ما فقدت إيمانها بالرب. ومن هذه النقطة سيبدأ كلامنا عن فيلم "قنديل أم هاشم".. الفيلم الذى أعد السيناريو له "صبرى موسى"، ليطل على شاشة السينما بكل هذه التعقيدات الفكرية ال...