_نُشر فى جريدة الصباح_
«تحية ».. الفتاة التى أكل الفقر من قلبها، لكنه لم يقو على هضم أنوثتها، روحها الحية، وجمالها الذى لا يخلو من الأنياب.. المرأة التى تسيل من بن فكيها الغواية، ولا يفلح ظل غلظتها فى إطفاء الوهج الكامن فيها. السيدة الطفلة، والطفلة الوديعة، والوديعة الداهية، والداهية الطيبة.
«تحية ».. التى تنغلق نفسها على كل درجات الرمادى، ورغم هذا لا تضفى على كل من يحيط بها إلا لون الدفء. هذه الشخصية المترنمة بنغم الوجع والحب، التى يحفها الماضى ويقف لها على ناصية حلمها كل ليلة، ليحاسبه ويقص جناحيه. والتى تعاندها السعادة، فتمكر لها، وتخبئ تحت وسادتها المكائد.
«تحية » .. من أجمل شخصيات الدراما الرمضانية هذا العام، شخصية وثقها محفوظ للتاريخ الأدبى، ومن ثم أعادت تدويرها الدراما.
شخصية ثرية بحق، عصية على التجسيد، مُنهِكة، تبحث عن مؤٍد لا يستعفى عليها، فهى لن تهاود. بطلتها لا تملك سوى خيار مساسيتها،وأخذها باللين والرضا. من تقرر لعب «تحية »من الأفضل ألا تستعرض مقوماتها أمامها،تفرضها عليها فرضا،ف «تحية » لن تغفر، وسرعان ما ستبحث عن نقاط ضعف غريمتها،وتعريها بقسوة، وتتبرأ منها. وهذا بالضبط ما فعلته مع «منى زكى »، نبذتها، وخرجت منها،ولم تكتف بذلك، بل تبدت وهى تطوف حولها، روحا هائمة بلا ممثلة، توسوس بين حين وآخر للمتفرج «هى ليست تحية، لا تجرؤ على أن تكون نصف تحية، أو حتى ربعها .»
هذا الكلام لا يستتبع بالضرورة التشكيك فى موهبة «منى زكى » فهى ممثلة لها من سابقات الأدوار ما يثبت قدم موهبتها. ولكن المعضلة هنا ليست إلا مناقشة مدى مواءمة هذه الموهبة،مع دور «تحية ». وليس من العيب الإقرار بملاء أفواهنا، أن هذا الدور لم يكن أبدا ل «منى زكى ،»وأن اختيارها لتجسيد دور «تحية » من ذلك مسلسل «أفراح القبة » التى ستظل شاهدة على نفسها، سواء أدركها الجمهور الآن أو بعد حين،ولكن الأكيد أنه سيدركها حتما فى وقت ما.
مشاهدة «منى زكى » كل يوم فى مسلسل «أفراح القبة » تقارب المقارنة بين «فاتن حمامة » و «سعاد حسنى ». وكأن أحدهم ركب وجه فاتن على جسد شخصية «زوزو » الشهيرة التى أدتها سعاد حسنى فى فيلم «خلى بالك من زوزو .»
هل تتخيل معى هذا الهذيان الفنى، إن مثله يحدث كل يوم بتوقيت عرض حلقات مسلسل أفراح القبة!
«تحية » فى مشهد من مشاهد «أفراح القبة » تقتسم رقصة شرقية مع أختها«سنية »، لترمى بحسنها متدللة أمام حبيبها«طارق ». تختنق روح «تحية » فى جسد «منى زكى » الذى يتمايل بتحسب وتخشب. تفور«تحية » فى داخل «منى » وتكاد تطفر من عينيها وملامح وجهها التى تضع نصب أعينها القيمة الأدائية تمثيليًا على حساب اللحظة الآنية، لحظة الغنج والتوق. تظل هكذا، حتى تفارق هذا الجسد، وتخلفه وحده صامتًا مصمتًا لا يعبر عنها فى شىء.
«منى زكى » لم تمنح «تحية » سوى الدموع الصادقة، والإحساس بالحرقة. «منى » لم تملك فى «تحية » سوى انكسارها وألمها. ولكن فى «تحية » كثيرات أخريات لم تطأ «منى »أرضهم. أخفقت فى أن تكون «تحية » الشقية، التى تصيد سرحان بضحكتها، ونظرتها حينما قَلبّ وجهها فى أول مرة يراها، ليبدى رأيه فيها بخصوص انضمامها للفرقة. ولا «تحية » النَمِرَة التى يسعها أن تقف وتشرشح لكل من يتشدد لقتل حلمها. ولا «تحية » المثيرة التى تغنى مع«طارق » الهاشا باشا تاكا والهاشا باشا تك،بينما تدلق صدرها فى حضنه.
إنه ببساطة الفارق بين تسكين الدور لممثل موهوب، وتسكين الدور للممثل الملائم.
آخر كلمتين
- ثمة مشاهد جيدة كثيرة أدتها «منى زكى »، ولكنها لم تخرج عن وجه واحد ل «تحية »، الوجه التعس.
تعليقات
إرسال تعليق