نُشر فى موقع مصر العربية
..................................................
..................................................
صنع فى مصر... النُكتة والوعظ "دونت ميكس"
الخميس, 07 أغسطس 2014 14:31 إسراء إمام
حينما يطلق أحدهم نكتة، لا يتخمها بتفاصيل جادة، ويختمها بموعظة رنانة. صاحب النكتة يعترف بكونه صانع ضحكة، لا يستحضر هدأة الواعظ، ولا رصانة المُرشد، يلقى بنكتته بالهزلية التى تُناسبها، يتشبث فى ذيلها حتى النهاية، لا يخطو خُطا المهرج الحزين، ولا يتبرك بدموعه التى يُغرق بها الضحكات التى منحها لجمهوره قبل قليل.
فى حلقة من برنامج الحُكم لوفاء الكيلانى، سألت ضيفها "محمد هنيدى" هل ترغب فى تقديم فيلم يبتعد عن منطقة الكوميديا، أفاد بالإيجاب، وحينما أخبرته أنها استفتت الجمهور بخصوص هذا الأمر، قفزت نسبة رفضهم لأعلى، وصدّق هو على رأيهم، زاعما أنه كان يعلم النتيجة مُسبقا، وبناء عليه سيبقى على منهاجه، وهو تقديم فيلم كوميدى "يتخلله جزء تراجيدي" على حسب توصيفه.
ومن هذه النقطة يبدأ العبث، ويظهر فيلم مثل "صنع فى مصر"، لا هو نكتة ولا هو مادة فيلمية جادة، فيلم يلهث ليجارى عقلية صانعيه، تُظلم فيه مشاهده الجيدة، وتتوه ملامحه التى تستحق الإشادة، بين كم لافت من التشتت، الذى يمُط الموضوع على حسب عناصر المعادلة الرئيسية (الضحكة+الفكرة اللامعة+الموعظة).
الفكرة
ألمعيتها فقط هى التى جذبت "أحمد حلمى" لكى يُقدمها، فهى على حسب تخمينه، مُبهرة، لها قوام المفاجآت، والغرائبية الذى يعتمد عليه حينما يُفلس فى تقديم حالة متوازنة ومقنعة. فتبدت بجدارة كما الفقاعة، التى لم تنفقع على مبعدة، بل تجشأت ماءها وعطنها فى وجه من نفخ فيها.
لأن "علاء" (أحمد حلمى) شاب فاشل (لا داعى لأن تتفكر فى سبب ذلك ومنطقيته) يُهمل معاملة أخته، فالصغيرة تتمنى أن يُستبدَل دبدوب الباندا الجديد بأخيها، بمعنى أن تُصبح روح الدبدوب هى أخاها، وروح أخيها تجسد الدبدوب. ولم تُكذب الأمنية خبر، فعن طريق مس كهربائى ساذج، يصبح علاء هو الباندا والباندا هو علاء. كل هذه الافتراضات ليست مشكلة فى حد ذاتها، بينما العائق غير المقبول، هو قدرة الباندا -بعد عملية التحويل- على التحدث، والشعور، وإدراك حياة البشر. فإن الأمنية لم تقتض (هذا الأوبشن) غير المفهوم ولا مُبرر، فالباندا لم تكن من البداية كيانا يَقِظا، إنما كانت مجرد دُمية تنطق فى برمجية بعدد من الأمثال والحِكم. فكيف إذن يسعها أن تتعامل بهذه الآدمية، التى يُظهرها الفيلم ببعض النقوص، كمحاولة فاشلة للإقناع، فتتحدث فُصحى، وتجهل القراءة، وتعانى من عدم استيعاب العالم البشرى من حولها. وإن إفترضنا أن الباندا استعارت كيان علاء، فكيف تبدى علاء محتفظا بوعيه وشخصه داخل جسد الباندا.
المعالجة٫٫ "علاء الفاشل"
قدم السيناريو شخصية علاء بحُلة الشاب الفاشل، "فاشل"، كلمة مثل تعويذة السحر، ظل السيناريو يُرددها على لسان الشخصيات بشكل أجوف، لابد أن تقتنع بفشل هذا الشاب، لأن كل شىء مبنى على هذه النقطة، إذن: تظهر عدد من المشاهد التى توضح بعض السمات التى بمجرد وضعها أمام عين المُشاهد، مع تكرار التلفظ بكلمة "فاشل"، سيقتنع المتفرج من فوره. فنرى علاء يترفع عن مساعدة سيدة مُسنة تطلب منه أن يحمل معها حقائبها حتى تستقل عربة الأجرة، يتكاسل عن فتح متجر اللعب الذى يعمل به أكثر من يوم، يفتح ذراعيه لأخته ويتركها ترتطم بالحائط متغافلا عن ضمها. هل اقتنعت بفشل علاء؟؟.
أمامك فرصة أخرى للاقتناع، أرجوك لا تفوتها، حينما يظهر منزل علاء، يمكنك أن ترى والدته وزوجها مفترشين أجسادهم فوق المقاعد أمام التلفاز، يحدث أن يتنازع ثلاثتهم على من يتحمل مسئولية الرد على الهاتف، يعاير كل منهما الآخر بأنه قام بمهمة ما منذ أكثر من يوم، يدفعون سماعة الهاتف من أماكنهم ويتحدثون من خلال مكبر الصوت، والسماعة على الأرض، لا يتطوع أحدهم لردها مكانها بعد انتهاء المكالمة، يتناول علاء ورقة وقلم، ويكتب بعض كلمات يتملاها من زوج والدته، متكاسلا عن وضع الحروف فوق الكلمات. الكُل يبدو فى حالة مبتذلة من الخمول. هل اقتنعت بفشل علاء؟؟
سواء اقتنعت أم لم تقتنع، سيُكمل الفيلم مسيرته، "علاء فاشل" ولذا وَجب استبداله مع الباندا، لكى يتحول لشخص ناجح، وتتم الموعظة (لابد أن تنجح). لكن دعنا نتأمل مظاهر الفشل التى اتحفنا بها السيناريو، فعلاء صاحب متجر ألعاب، أقامه إثر اعتماده قرضا من البنك، إذن هو شاب لم يرتض أن يكون بلا عمل، فعمد للاقتراض من البنك، وفتح متجرا للألعاب، ولكى يُصحح السيناريو مسار هذه التفصيلة التى لا تنم عن أى عقلية فاشلة، وضع رتوشه المقحمة، لتشير عمدا إلى فشل علاء، فجعله أبله، لا يفتح متجره الذى تكبد العناء لكى يُقيمه، هل ثمة شخص يقوم بكامل قواه العقلية للاقتراض من البنك لعمل مشروعه الخاص، ومن ثم يتكاسل عن التعاطى معه والعمل من أجله، وإن أراد السيناريو أن يتعامل مع صفة الفشل بهذا الشكل الساذج، أن يصطنع أى مهنة أخرى لعلاء بعيدا عن هذه الحبكة. أما تفصيلة خمول الأم زوجها، فهى مجرد إفيه مثير للشفقة والتعاطف، جديا ليس له أى قيمة ولا معنى، من الأنبل أن يكون محشورا بهذه الصورة المقززة لكى يختلق ضحكة لا هدف لها، بدلا من أن يكون عامل من عوامل دفع المتفرج لتصديق فشلية علاء، فهل علينا أن نفهم مثلا أن علاء كسول بالوراثة؟؟!. فى فيلم "الزواج على الطريقة الحديثة" تفصيلة مشابهة، لعائلة حسن يوسف، يظهر فيها الأب والأم دوما على الفراش، فى سبات طويل، لا يفيقون منه أبدا. هنا الإفيه له وضعه وتحضيره، وطلته غير المتفذلكة، والمتسقة مع نفسها، فالأم والأب لا نراهم على الشاشة طوال الفيلم إلا بهذه الصورة، دون التلميح بها أو استغلالها بأى شكل، مما جعل النكتة أصدق وأقوى وقعا.
"هو كدة"
ثمة الكثير من المبالغات التى قدمها السناريو، لكى يصل لتحقيق المعادلة المفترضة، والمنصوبة أمام أعين صانعيه. فالباندا يعمل بدلا من علاء، يكِد فى شغله حتى يقوم بتحصيل قرض البنك، وحينما يفشل بإيعاز من ألاعيب علاء ذاته، يذهب لتسليم نفسه للقِسم، متخليا عن انتحاله شخصية علاء، وفى الوقت ذاته، مُدعيا أنه قام بجريمة عدم تسديد قسط البنك!، فإن كان ذهب للشرطة باسم جريمة ارتكبها علاء، فلماذا يتنصل من شخصيته. أو بالأحرى، ما الداعى من تمحص صناع الفيلم لما يقدمونه من تطور فى الحدث، طالما يُحقق غرضهم فى إزاحة الباندا جانبا، وافساح المجال لعلاء، لكى يُصلح من تصرفاته وأخطائه ويتحول لشخص ناجح فجأة، يشعر بالآخرين، وخصوصا أخته الصغيرة، ويغير نظرته الشهوانية البحتة لعلا، الفتاة التى تعجبه من المحل المقابل لمتجره، إذن هل كان علاء فى حاجة للباندا، لكى تحدث هذه الطفرة الفجائية فى شخصيته، والتى لا تحتاج لبضع أيام ليبقى فيها شخص آخر!.
تبدت نفس الاستعجالة الطفولية، على نطاق أضيق، فى بعض المشاهد، فنجد علاء متجسدا فى هيئة الباندا، يحاول إنقاذ الدبدوب المحتبس فى المصحة العقلية، فيبتاع عددا من البالون ويطير فوقه، ليعبر جدار المستشفى (فى لحظة تجلى فيها عمرو سلامة ومصطفى حلمى وأحمد حلمى، متطرفين لأبعد حدود الهذيان)، والتفسير دوما موجود هزيل مثل تفكير مختلقيه، الباندا عروسة محشوة قطن إذن فمن السهل أن تطير على جناحى عدد من البالونات المسكينة. وعموما، هذا المشهد ومشاهد أخرى مثل ظهور إدوارد، وتحرشه فى فيلته بعُلا، كلها تبعات الخط الأساسى الذى أودى بالباندا إلى مستشفى المجانين، رغبة فى التخلص من حضورها، وطمعا فى إمداد شخصية علاء ببعض الفاعيلة، مع إمكانية سد فراغات السيناريو، واستكمال عدد المشاهد الذى لن يُسعف وقت الفيلم، إذا تمهل صانعيه فى التفكير ببعض المنطقية.
إيجابيات متبعثرة
فى وسط هذا الزخم الفوضوى، بدت بعض النقاط التى جاءت فى صالح السيناريو، والتى طمستها بجدارة محاولته التفلسف، وتبنيه وجهة نظر توجيهية. فشخصية علا (ياسمين رئيس) شخصية تملك عددا من التفاصيل البارزة، ولا تُعتبر من المكملات، فهى الفتاة التى تتمحور كل تصرفاتها على أساس ثابت، تم توضيحه وسرده فيما بعد، يخص الهواجس التى خلقها والدها داخلها حول أنوثتها، فنرى عددا من اللقطات الموحية بهذا الإحساس، فمثلا فى أول ظهورها، نراها تحكم شدة قميصها حول جسدها أمام نظرة علاء، وفى وقت آخر، نراها مترددة فى ارتداء فستان يختلف عن طريقة لبسها الرجولية بعض الشىء، حتى وإن دمر الحوار هذه التفصيلة وأفقدها خصوصيتها فيما بعد، فإنها تظل على جمالها حينما تلتقط علا الفستان من الدولاب، وتموضعه فوق جسدها وتتخيل هيئتها به، ومن ثم تعيد وضعه. فضلا عن ربطة شعرها التى لا تتغير، والتى تعمد للتملص من أثره على مظهرها.
(بغض النظر عن عدم قبول الفرضية من الأساس)، جاء أداء حلمى مختلفا ومميزا ما بين شخصية علاء، وشخصية الباندا، فباسترجاع أداء حلمى وقسماته قبل عملية التحول وبعدها، نجد الفارق بارزا واضحا، دون أدنى تصنع قد نشعر به قليلا فى أدائه الصوتى لشخصية الباندا.
علاقة الصغيرة بأخوها علاء، وارتباط حكياتها بتفصيلة العرائس، كانت مشروع لطرح انسانى متفرد، شوهه الإصرار على تقديم النصائح، لم يتهمل عليه التسرع فى إنهاء خطوط السرد دون تروى، فالسيناريو ينطوى على ملامح خيوط دراما وكوميديا تحتاج لبذل مجهود أكبر، على مبعدة من الحسابات التى سبق ذكرها، والتى مدت هذه الخيوط داخل بركة عطنة من الثرثرة. ظللت فيها الأفكار الجيدة على حالها، مجرد فكرة لم تتطور مع الحدث تنعكس عليه وتعكسه بشكل أفضل، تاركة المساحة للخيوط السردية المتقصفة.
بعض المشاهد الكوميدية، بدت جيدة، تنطوى على ضحكة صافية، فقط عندما تحررت من قبضة المعادلة الحسابية للسيناريو،. مثل مشهد إذعان الباندا لإلتقاط صور الأطفال، ومشهد اكشتاف عُلا لحقيقة الباندا، وغيرها..
آخر كلمتين:
_فيلم "صنع فى مصر" ليس له أدنى علاقة من قريب أو من بعيد بفيلم "ted"، هو لم يصل لجرأة هذا الفيلم حتى، فـ ted من الأفلام التى تضعك أمام النكتة وكفى، تتحدى المُتفرج بشطحانها وتنفيذها الغير عقلانى، تتسق مع حالها، وتخلق مدرسة أخرى فى محاكاة الخيال. أما صنع فى مصر، فهو ينتمى لنوعية أخرى من الأفلام الأمريكية، أبرزها 13 going on 30
_ إلى عمرو سلامة وأحمد حلمى ...
حينما ترتدى حُلة الواعظ، وتدعى المنطقية والجدية، تجبرنى أن أتعامل مع مُنتجك بذات المنطق، فلا يصح أن تكون منطقيا فى جزء وهزليا فى آخر، عقلانيا فى منطقة ومتحررا من الفِكر فى اُخرى، طفوليا حالما فى مشهد وحكيما عليما فى نظيره. قررت أن تُخاطب عقلى خاطبه للنهاية، إذا، أنت من تجبرنى على التعامل مع مادتك الفيلمية بتفصيلية عملية وعاقلة. لم تُقنعنى نكتتك لأنك لم تحترمها، ولم تُشبعنى فِكرتك لأنك افتعلها.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق