نُشر فى موقع مصر العربية
.....................................................

.....................................................
حلاوة روح.. الكذبة التي تدفعك رغم كل شيء للتورط فيها
مشهد من العمل
ثمة فارق كبير بين الصوت الذي يحدثه كل من غليان المياه، ومحركات القطار؛ فجلبة عربات القطار ضجيج صاخب، حينما يمرق أمام أحدهم يودع في نفسه شيئا من التنبه المصاحب لمزيد من الاضطراب، والذي يعمي الإدراك لصورة العالم كاملة في هذه اللحظة، فتتقلص أهميتها وتُقتضب جماليتها، ويبقى وقع الصوت هو الأكثر مدعاة للاهتمام. أما عن غليان المياه، فالصورة هي دعامته الأولى والأهم، وتظل الطقطقة الناعمة الصادرة عنه ما هي إلا مؤثرات، لها فاعليتها في مؤازرة مظهر سطح المياه المتهرئ فوق ألسنة النار، فيُنتج النموذج الأمثل للمفرد السينمائي الشهير "التكوين". هو تكوين مكتمل شكلاً وموضوعًا ينغلق على مفرداته وبواطنه، لا يزعق بها، وإنما يُصدرها مرئية ويحاكى بها العيون.
وفى فيلم حلاوة روح، صمم السبكي، انتهاج نظرية ضجيج القطار، في الكثير من الأشياء وليس فقط في الاستغلال الواضح لجسد هيفاء وهبي، فبدا السيناريو على الرغم من سقطاته المستقلة الخاصة به، واقعًا تحت تأثير هذه الرغبة السبكية، التي امتدت معه طوال الفيلم بالتوازي، تارة يعمل على إرضائها، وتارة أخرى يُحاول اللحاق بالحالة الجيدة التي رسمها، وتارة ثالثة يتعثر بأخطاء صياغته للحدث. ولكن على الرغم من كونه مثقلا بكل هذه المعوقات، إلا أنه احتفظ بإيقاع رشيق، وحالة من الشغف، تفرز أسبابًا متجددة دوما لاستمرار المتابعة، على مبعدة من توليفة السبكى ومهارة الكاميرا في إبراز المقومات الجسدية لهيفا.
مزاجية السبكي
على امتداد الفيلم، نجد مشاهده ملغومة إما بالعري، أو بالعبارات الطنانة التي يجتهد كل ممثل في إلقاءها وبالتالي فهي لا تمت لأي واقع بصلة، على الرغم من فرضية كونها تعبر عن حقيقة لغة هذه الفئة من الناس التي يتناولها السيناريو، ولكنها ومع مرور الوقت أصبحت لكنة يسعى الجميع في التوصل إلى هندمتها بالشكل الذي يليق لكي يكون مبتذلاً بالقدر الكافي.
وجود الأغنية من الأساسيات التي يسعى إليها السبكي على الدوام، فكانت أغنية حلاوة روح والتي استمرت لمدة تدعو للملل، وتُسرب إحساسًا عجيبا بأن السبكي لو أتيح له الإبقاء على صوت حكيم ورقصة هيفا لمدة ساعتي عرض الفيلم، لكان فعلها دون أية حرج .
إنها ثوابت السبكي والتي أفسدت طلة الفيلم، وأصبغت عليه الطابع المعهود لأفلام كثيرة ارتأيناها في الفترة الماضية من إنتاجه، على الرغم من أن حلاوة روح يحمل مضمونا مغايرا يستحق المشاهدة.
حالة جيدة
قدم على الجندي معالجة معقولة جدا لقصة فيلم مالينا الإيطالي الشهير، لم يلتزم بها نصًا، وإنما استمد خطوطها الرئيسية، تلك السيدة الجميلة التي هجرها زوجها، والتي في تحفظها وانغلاقها رغم فتنتها ما يدعو رجال الحي أجمعين للالتفاف حولها، وأولهم مراهق صغير يقع في حبها، ما بين تعلق جنسي روحاني مرتبك، عبر عنه الجندي في السيناريو الذى كتبه بالاضطراب المناسب، فمنحه صيغة إنسانية قوية مع عدم انتفاء الأثر الجنسي الذي يتخلله، وقد أضاف الجندي شخصية أخرى انعكس معنى وجودها على علاقة روح وسيد، وهى الفتاة الصغيرة التي تماثل سيد عمرا، ويخايل وجودها عقله في الوقت الذى يستميت فيه بإقناع نفسه أنه يحب روح، بالطبع هو يحب روح ويتعلق بها بشكل أو بآخر فهي الحلم الذى ما إن شاءت الظروف أن يقترب منه وجد فيه كل الخصال التي تنافى شخص والده "باسم سمرة" الرجل القواد تاجر النساء، روح هي المعادل النقيض لتركيبة والد سيد، وبما أن الصغير يملك في داخله المزيد من الاحتقار والحقد لهذا الوالد وعالمه وعمله، ما إن اقترب من روح وجد فيها شئيا من الخلاص، ونوعا من الطهر الذي يفتقر إليه مع أقرب الناس منه.
شخصية أخرى أضافها الجندي، وهى شخصية عم زكريا "صلاح عبد الله"، وهى الشخصية الأقرب في حياة سيد من قبل أن ترمي به التطورات في كنف روح، وبالتالي حينما حدث ذلك التقارب بينه وبين روح كان ثالثهم عم زكريا، شخصية عم زكريا أيضا كانت مدعاة لاستحضار بعض البراءة التي يفتقدها السيناريو بحضور الشخصيات التي تجسد منبت القلق مثل شخصية المعلم التي أداها طارق لطفي وشخصية القواد والد سيد.
الحبكة التي طرحها السيناريو من الممكن أن يبدو عليها الكثير من التحفظات، ولكنها في النهاية خلقت حالة منسجمة، تحتوي على قدر من التوتر الذي يتمكن من المتفرج، ويسلل إليه بعض من التساؤلات وشيء من التربص، فمع وقوع أي موقف جديد في الفيلم، تزداد تلك الحالة، على الرغم من أن الحدث نفسه لا يتحرك، ولا يسمو لمزيد من التطور الحقيقي، وهذه نقطة على قدر عيبها تملك سببًا للإشادة، في قدرة الكاتب على التلاعب بالأجواء ذاتها دونما الاستناد على الحدث القوى. فبالرغم من سذاجة المعنى الذى يقابلك أنت متورط فيه، تشعر به، ولا تُقحم عقلك في الحكم عليه. فروح تقع فريسة لمراوغات والد سيد وأصحابه من بعد موت حماتها وطلاقها من زوجها، وهكذا لا يطرأ أي جديد حتى مشهد النهاية، نتوقع ما سيأتي ولكننا ما نزال ننتظره، لا نتقبل هذه الفكرة غير المنطقية في كون كل هذا يحدث بهذا الجهر العلني على مرأى ومسمع الحارة بأكملها على المستوى العقلي، ولكنه نفسيًا امتلك مقومات جذابة تدفعنا صوب تصديق الكذبة المفتعلة.
ويستمر التصاعد إلى أن تحل مشاهد النهاية، تلك المشاهد التي تقاطعت بالتوازي، ما بين لقطات المراهقين الصغار التي تُقطع الخرزانة أرجلهم عقابا لرغبتهم في الدفاع عن هذه السيدة الوحيدة، وبين لقطات اغتصاب روح على يد المعلم تحت حماية القواد وعلى مسمع عم زكريا الكفيف الذي لم يسعه منع هذه الفاجعة. وتأتى هنا أقوى مناطق السيناريو، بحيث لم يتناس الجندي، أي شخصية فرد لها سطورًا فيه، ففي مشهد النهاية تكتمل الصورة على مستوى الحكي الصامت، تخرج روح من الحارة، إلى مصير غامض لا يفصح عنه الكادر ولكنه يكتفى بالضوء الساطع المنعكس على وجهها، فأي مكان بخلاف هذا المكان الموبوء سيكون لها بمثابة بداية أجمل، وفى الوقت ذاته يزحف الصغير خلفها يناديها فهي منبت اطمئنانه وخلاصه، تظل مترددة أمام ندائه حتى تأتي الصغيرة التي سبق وسردنا عنها لترافقه وتشد من أزره، ومن ثم تطمئن روح وتمضى صوب الضوء .
السناريو ومزاجية السبكي
إنها تلك المزاجية التي اتضحت في كل شيء تشعر به فجأة يُغير خطة السيناريو، فنجد روح تتورط في حلم، تظهر فيه على هيئة غريبة من الابتذال، فبدلا من إبراز الحلم باعتباره متنفسا لهذه السيدة التي تعمل على خدمة والدة زوجها، وتلتزم بأوامرها بخصوص فتح النافذة والخروج من المنزل، نجده مجرد فسحة من الوقت، لاستعراض جسد هيفا، والتفوه بجمل من عينة " أنا مرة مدوخة النسوان قبل الدكورة"، كل ما يدور في هذا الحلم تشعر وكأنه مقتطعا من سياق آخر يخص توليفة السبكية، بمظهرها الفج. وهو ما يود بانطباع شديد السوء عن الفيلم مع بدايته.
تشتم أيضا رائحة السبكية، في ملابس روح، التي لا تتلاءم أبدًا مع بيئة وجودها ولا شخصيتها، وإنما هي الأقرب لحضور هيفا، ومدى القدرة على الاستفادة بأكبر كم ممكن من تواجدها بهذا الفيلم .
إنه ضجيج القطار الذى يسرق الإدراك الكامل للصورة، ويشوش عليه، ويختزله في مجرد صوت ملفت سريع التأثير، ولكنه مزعج يتلاشى بمجرد زواله. فهيفاء وهبي بالطبع تملك مقومات أنثوية، ولكن التعامل معها بهذا المبدأ يقلل منها وينفي عنها ما يمكن أن تقدمه للدور، ويُبقى وظيفتها فيما يمكن أن تحققه من متعة لفئة معينة من الجمهور. خطة بائسة، لا يعي فيها المنتج معنى توظيف الجمال تحت قدم الفن وفى الوقت نفسه العمل على ارضاء الجمهور. وهى ذات المعادلة الصعبة التى نجح فى تحقيقها صناع الفيلم الإيطالي مالينا، الذى ظهرت من خلاله أنوثة بيللوتشى، بشكل جريء لا يعرف التحفظ وإنما وفقا لمنهاج غليان المياه الذى سبق وأن تحدثت عنه فى بداية المقال.
العثرات الخاصة بالسيناريو
ثمة الكثير من الاستسهال الذى نراه بخصوص صياغة منطق للحدوتة فى حد ذاتها، فهذا العالم الذى رأيناه في الحارة لم ولن يتماثل له وجود بهذا الشكل الفاضح فى الحقيقة، من الممكن أن يحدث كل ما ورد ذكره ولكن ليس بهذه الطريقة الجلية، فعالم الحوارى حتى الآن مازال متشبثا بمظهر الشرف والنزاهة، رغم كل ما يحويه فى القاع، ولكن نجد هنا القواد والد سيد يجاهر بمهنته علنا طوال الفيلم بشكل مضحك، غير أن الدائرة لم تمتد لتسع آخرين من سكان الحارة العاديين خارج هذا الصراع لإضفاء بعض من المنطقية، وإنما تكثف الشعور بكون كل من يسكن هذه الحارة يمارس هذا العهر أو يشارك فيه، أو كأن هذا المكان انغلق على الشخصيات التى رصدها الفيلم وكفى. ولولا جملة عم زكريا لروح عن بقية ساكنى الحارة لكان هذا الاعتقاد محل مناقشة جدية .
أيضا نجد هذا الاعتراف الغريب الذى يعترف به عم زكريا لسيد فى نهاية الفيلم، حول حبه لروح، والذى يعد إضافة لا محل لها من الإعراب، لم تكسب السيناريو إلا مزيدا من اللامنطقية، فشخصية زكريا كانت أقوى فى تأثيرها بكثير من قبل هذا الإعتراف، الذى لم يكن له أى أرض ثابتة سعى السيناريو للتحضير إليها منذ بداية الفيلم، فبدت الكلمة هزلية هلامية لا منبت لها.
هيفاء وهبى
على الرغم من اذعانها حيال استغلالها بهذه الصورة الفجة، إلا أنها على جانب آخر، اجتهدت فى أن تكون روح، تبدى سعيها خلف أداء جاد تثبت فيه وجودها، ومع مشاهد النهاية على وجه الخصوص، برزت ملامحها قوية معبرة، ونفسها ممتلئة بآلام روح وانكسارها.
آخر كلمتين:
_ أداءات المراهق الصغير، باسم سمرة، محمد لطفى وصلاح عبدالله، كلها كانت في أماكنها، ولم تكن مجرد ملهاة عبثية كما كان متوقعا عنها.
تعليقات
إرسال تعليق