التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بلاش تبوسنى.. معالجة عائلية لفكرة غير نظيفة!

_نُشر فى جريدة الصباح_




يقول خيرى شلبى فى روايته "زهرة الخشخاش": المتعة هى الأخرى شىء ثقيل، يحتاج إلى صحة وعافية.
والحقيقة أن فيلم "بلاش تبوسنى" انتهج سير المتعة، وخطى على دربها، معتمدا فى ذلك على خطة مغايرة، لا يجنح إليها معظم إنتاج السوق الحالى من السينما، فأفلام السينما الآنية، أفلام يميل معظم الجيد منها بنسب ودرجات مختلفة إلى التجريبية، أفلام تفتقر نوعا ما إلى الواقعية الحيوية، مثل أفلام "فيلا 69" ،"فرش وغطا"، "هرج ومرج"، "الأصليين" وغيرها. الأفلام السابقة وإن كان لا غبار عليها فنيا، ستظل على مسافة معينة من الجمهور، وستبقى مفتقرة لروح سينما الثمانينات (سينما خان والطيب وبشارة)، التى تلتف حولها الأسر الآن أمام الفضائيات، على الرغم من جرأة مواضيعها فى حين، ودسامة مستواها الفنى فى حين آخر. هذا لا يعنى أبدا أننى أرفض وجود هذا النوع من التجارب السينمائية، بالعكس أنا مؤيدة له بشدة، ولكننى أستميت فى الامتعاض من فكرة تواجده بهذا الشكل المكثف، والافتقار إلى ما دونه إلا نادرا.

فيلم "بلاش تبوسنى" بكل أزماته وعثراته، وحتى وإن شطح البعض واعتبره فيلم ضعيف، لن يمكنهم تجاهل أنه فيلم أصيل، يحتفظ كاتبه ومخرجه "أحمد عامر" بخريطة الشغل عليه، وبخطة لا يُجارٍى فيها أفلام الحركة المُستقلة، من حيث الالتصاق بطابع الثِقل الفنى، لنجدها فى النهاية تتسم فى الغالب بطوابع متقاربة، وإن تشابهت فى أحيان، على مستوى الايقاع وشريط الصوت وغيرها.

فيلم "بلاش تبوسنى" فيلم ممتع، لم يكن مدعيا فى حِرصه على المتعة أبدا، وفى الوقت ذاته، كان يبوح بجدية عن أزمة مؤرقة، وهاجس أساسى يخص سينما هذا الجيل، فهو فيلم ينجح فى التعبير عن نفسه، داخل موضوع يَلِح على الكثيرين ممن يهتموا بالسينما، وبلسان خاص حقيقى لا يخضع لأية اعتبارات تسعى للتوائم مع الشكل المعتاد للأفلام التى ارتفعت لها الأيادى مؤخرا بالتصفيق.

مفارقة وتتابعات

فيلم "بلاش تبوسنى" فيلم انسيابى، من الأفلام التى تشعر أن فكرتها واتت صانعها بتتابع لا يسترعى الحكى، على قدر ما يتضمن تركيبة مهندمة ومبتكرة الصنع من الرواية بالنكتة، والتعامل معها كعامل أساسى للتخديم على الفكرة والشخصيات.

فنحن أمام قصة كرتونية عن تَعسُر إتمام فيلم روائى، يعد الأول لمخرجه الشاب بسبب إصراره على عدم التنازل عن القبلة الموجودة فى السيناريو، والمفارقة هنا هى ما خلقت الصراع، لأن بطلة الفيلم، قد بلغت عند تصوير مشهد القبلة ذروة هواجسها بخصوص حرمانية الفن، وبدأت تتأفف من القيام بأمور مماثلة على الرغم من قيامها بالأفدح منها سابقا، من خلال أفلام ركيكة المستوى.

يبدأ الفيلم من المشهد إياه، أى برصد المفارقة الأساسية، التى تتمثل فى إصرار المخرج، واشتعال هواجس الممثلة، ويتأزم الموقف فى نهاية المشهد بوقوع مفارقة أخرى، لأنه وبعد عدد غير هين من المحاولات التحريضية لدفع الممثلة نحو التملص من صراعها الداخلى المُعطِل، تنصاع وبينما تُسَلم شفاهها للممثل الذى أمامها، يوقظها صوت الآذان، لتقم بعدها من الفراش مفزوعة معتبرة ما حدث علامة فارقة تقودها بلا شك لإنهاء حربها المتقدة منذ فترة لصالح نبذ الفن.




مفارقة صغيرة، تنتهى بنا إلى مفارقة أكبر، ومن هذه المفارقة الأخيرة، تتفرع عدة تتابعات، تنشأ منها المواقف الأساسية التى بنى عليها الفيلم السيناريو الخاص به، والتى لا تعتمد على السرد النصى، وإنما الرصد الساخر، وقد لجأ "أحمد عامر" لحيلة ذكية يسرت مهمة هذا الرصد، عندما وضعنا أمام حقيقة أن أزمة المُخرج والممثلة يتم رصدها بعين أخرى غير عين المُشاهد، وهى عين مخرج تسجيلى يقوم بتوثيق كل كواليس هذه الحدوتة. هذه الحيلة ساهمت فى إثراء مادة الفيلم بهوامش جانبية مشروعة فى منطق وجودها، بغض النظر عن ضعفها أو قوتها.

البنية الأساسية للمواقف والشخصيات

استخدم الفيلم أسلوب السرد الغير منتظم، والذى لا يمكننا اعتباره عشوائيا لأنه فى النهاية خاضعا لقوانين ما، قصد من خلالها التعريف بالشخصيات بطريقة معينة، مثل تقديم شخصية "فجر/ ياسمين رئيس"، تلك الفنانة التى نعود فى منتصف أزمتها خلال مشهد القبلة، للقطات مُختلسَة من تاريخها الفنى الركيك، وتصريحاتها المتضاربة. تكرر هذا مع شخصية الحاجة سوسو، وشخصية المنتج، وشخصية الممثل الذى يلعب المشهد مع فجر. كل هذه الاستعانات الفلاش باكية حكت لنا عن طبيعة الشخصيات، بتلخيص وخفة ورشاقة محببة.

المخرج والكاتب أعاد تدوير هذا الأسلوب حينما كان حريصا على الرجوع للمادة الأرشيفية السينيمائية المُتعددة الحقبات، والتى تدلل على كلمات الراوى (المخرج التسجيلى) عن عادية استخدام القبلة فى تاريخ السينما، فنرى مشاهد مُجمَعَة جميلة للقبلات، وصور متقافزة تلاحق أسماء النجوم والنجمات الذين يتم ذكرهم على الفور، فنجد "هند رستم" مثلا بكل دلالها أمامنا حينما تتحدث "فجر" عن رغبتها فى حمل إرث الإغراء من بعدها، فيراودنا شعور بالقبح المُراد تمريره لنا بالتمام والكمال، حينما تقارنت أمامنا هذه الصور بصور "فجر" المأخوذة من أفلامها الرخيصة. هذه التفاصيل المنمقة أغنت المعنى، وعمّقت أثره.

تم تقديم شخصيات أخرى على الهامش، كانت ناجحة فى تفاصيلها العبثية والتى لا تدعى شيئا سوى "الهلس"، مثل شخصية المونتير الذى يحرص على وضع كادرات غير مُلاَحظَة لصور قطط داخل المشاهد التى يعمل عليها، لأنه مؤمن بأنه مسئول عن توصيل رسائل للاوعي المتفرج، تُحرِضه على حب القطط. فمثل هذا الاهتمام بخصوص العناية بهالة معينة لكل شخصية تظهر فى الفيلم ولو فى مشهد واحد، كان موفقا، حتى وإن لم يتم الحفاظ عليه للنهاية، وتم إسقاطه عندما ظهرت شخصية الاستايليست مثلا فيما بعد، فعلى الرغم من الحفاظ على رونق حضورها فى حد ذاته، إلا أنها فقدت أى بصمة ما تميزها وتلتصق بها. وقد أخفق الأمر برمته تماما مع شخصية "لولو" معجب "فجر" والولهان بها، وسيتم التطرق لهذه النقطة فى موضعها لاحقا.

صياغة الإفيه، جزء لا يتجزأ من البناء الذى قام عليه الفيلم سرديا، وهو الجزء الذى سنشرحه تفصيلا فى الفقرة القادمة.

مبدأ العبث وصياغة الإفيه

الغرض الأساسى لفيلم "بلاش تبوسنى" هو الكوميديا، والجميل أنه لم يخجل من هذا الانطباع وعمل على تفعيله، والجهر به من خلال تركيبة المواقف المتتالية التى قدمها، وعلى الرغم من أن فكرة الفيلم فى حد ذاتها فكرة مهمة وقيمة، لم يتاجر بها السيناريو وينقاد خلف غوايتها، مُستتفها لمفهوم كوميديا العبث الذى تبناها، سواء توفق فيها أم أخفق، وهذا المبدأ فى حد ذاته مبدأ يستحق الإعجاب.

مثلا، الفيلم الذى يعمل عليه المخرج الشاب والذى كان سبب الأزمة، نراه يتعامل معه بقدسية على اعتبار أنه للكاتب الكبير "قرطاسية"، وحينما نعود لتاريخ هذا "القرطاسية" الذى يبدو مبالغا فيه، نجد مشاهد كاملة خُصصت للسخرية منه، ويمكننا القول بجزم ما أن هذا الجزء على الرغم من محاولته استولاد الضحكة بذات المبدأ العبثى، بدا ضعيفا هشا، وخصوصا أن تاريخ "قرطاسية" الذى جاء على لسان المخرجان "خان" و"بشارة" ظهر كأكذوبة لا تُدَعم موقف المخرج الشاب، بل أصبغ عليه انطباع وكأنه أحمق، وهذا يتنافى بالطبع مع الصورة الذهنية الواجب توافرها عن هذا الشاب الذى يكافح رغم كل ظروف السينما النظيفة، والشعارات البالية للحفاظ على حقه فى تنفيذ القُبلة الموجودة فى سيناريو الفيلم الذى يعمل عليه.

أجزاء أخرى كاملة تم الفرش لها بنفس الطريقة العبثية، مثل مفارقة وقوع المخرج الشاب فى ورطة حينما تحدث إلى فتاة منقبة باعتبارها "فجر"، وقد جاء هذا الجزء مقبولا إلى حد ما، أما أكثر هذه الأجزاء توفيقا، كان الجزء الخاص بمشهد يجمع بين المخرج ومساعده وفرد آخر من طاقم العمل فى الفيلم، وهم يتبادلون الشتائم المصحوبة بصافرة المنع الشهيرة، ويظل يتفاقم الأمر ليبلغ مشادة كلامية قوية بينهم وبين أحد مرتادى المكان، والذى يبدو معترضا على الألفاظ البذيئة التى يتراشقونها عن طريق قذفه إياهم بها. هذا المشهد، مشهد ذكى متخم بالكوميديا ومناسب تماما للمعالجة الكارتونية التى اختارها "أحمد عامر"، وقد قدم سواء بقصد أو عن غير قصد صورة بائسة حقيقية عن طبيعة التركيبة النفسية للأشخاص أصحاب الوصاية الأخلاقية، وعكس واقع صادق عن أصالة التعبير اللفظى المتوارث لدى المجتمع العربى، والمتواجد فى المخزون الكلامى حتى وإن لم يتم استخدامه بوعى.

مفارقات أخرى دقيقة، تم تنفيذها بطريقة القطع الحاد بين موقف ما، وموقف آخر متناقض لنفس الشخص، مثل القطع الذى حدث بين شكوى مساعد المخرج للمخرج الشاب من عدد ساعات التصوير وبين موقفه المغاير أثناء نهره لأحد أشخاص طاقم التصوير بخصوص نفس الشكوى. تكرر ذات التكنينك، مع الشخص ذاته، حينما كان ينفى قدرته للمنتج على القيام بتحريض المخرج لإستخدام دوبليرة فى مشهد القبلة، بينما نراه فى قطع آخر يفعلها عن طيب خاطر وبإلحاح مستميت. مرة أخرى نرى نفس الأسلوب، حينما نجد المنتج يؤكد للمخرج الشاب أنه قرأ السيناريو ويعى تماما أهمية القُبلة، بينما نراه فى قطع حاد وهو نائم على الكنبة بينما تقرأ له زوجته مشهد القُبلة. وأفضل موضع لاستخدام هذه الصياغة الكوميدية، حينما تم توظيفه ليُشكل صدمة من خلال القطع بين موقف رفض "فجر" للقُبلة، وبين مشهد ترقص فيه بطريقة مبتذلة صارخة من فيلم هابط كانت قد عملت فيه قبلا.

نوع آخر من شكل صياغة الإفيه تدخلت الكاميرا فيه هذه المرة، نراه فى المشهد الذى تصف فيه "فجر" للشيخ "عبدالله" رؤيتها، التى ظهر لها فيها شاب طويل أسمر، وقد أفتاها "الشيخ عبد الله" وقتها بأن هذا الشاب هو دليلها ومُرشدها إلى الهدى، لتتوضح صورة والدة "فجر" بعد أن كانت كامنة فى عمق الكادر فى الآوت أوف فوكس، لتلقى بجملة خبيثة تريد فيها تقطيم "الشيخ عبدالله" وإفهامه أنها على دراية بما يخطط له من الاستيلاء على عقل ابنتها، فتقول "زيك كدة يا شيخ عبدلله" ثم تضحك بشكل مفتعل هزلى، ومن ثم يُقفل المشهد بطريقة تدعو للضحك.




تجربة غير مكتملة

ثمة مناطق ضعف قد تمر بسلام، دون أن تنهش فى عرض فيلمها، بينما أخرى لا يشبعها دور عابر السبيل، تأبى المغادرة، وتَنصُب رحالها على عاتق فيلمها، ليظل محملا بثقلها إلى النهاية. وللأسف عثرات فيلم "بلاش تبوسنى" تنتمى للنوع الأخير، فنصف الفيلم الثانى تقريبا، اتخذ منحنى حاد فى الهبوط وهذا لعدة أسباب.

أولها كان الإهمال فى العناية بحضور شخصيات معينة، بل وفى عدم التفكير فى منطق وجودها، ولو حتى على المستوى الذى يزيد من توفيق فكرة العبثية، مثل شخصية "لولو"، "لولو" الذى ظهر باهتا، لا يمتلك أى حسا خياليا يرتبط بالكوميديا، وبدون أى استخدام مُجدِى فى تحريك أى موقف، فبدا كعلامة استفهام كبيرة، ساهمت فى حدوث أحد فجوات الفراغ، التى أودت بمنحنى الفيلم نحو الهبوط.

ثانيها كان استخدام "خان" و"بشارة" فى مشاهد ارتجالية ضعيفة، أقواها كان مشهد حديثهما عن استخدام القبلات فى أفلامهما، وأضعفها كانت تلك المشاهد التى يذهبا فيها لمنزل المخرج الشاب ليواسيانه بحميمية لا يسعنا تصديقها بعض الشىء، ومن ثم يُشجعانه على نشر مقطع بوسة "فجر" على النت لمجرد الانتقام!، وهذا الجزء الأخير تحديدا من أسباب ضعف نصف الفيلم الثانى، فكان كدائرة مفرغة صغيرة شغل السيناريو نفسه بها، دائرة ضيقة استجلبت ايفيهات ثقيلة الظل مثل لقطات البنات التى تقوم بتقليد "فجر" فى مشهد البوسة الذى رأوه على اليوتيوب.

ثالثها نهاية الفيلم، فعلى الرغم من المجهود الذى بذله "أحمد عامر" فى القفلة التى انتهت بالفيلم التجريبى الذى يعمل عليه المخرج الشاب ببطل واحد، سيروى حكايته كاملة لمدة ساعة ونصف، إلا أن التحضير لنهاية الفيلم لم يكن غير ما يرام بعض الشىء، ففجأة وجدنا الفيلم ينتهى حتى وإن انتهى بمشهد قفلة بديع.

آخر كلمتين

_ فيلم "بلاش تبوسنى" فيلم فى كل الأحوال قد عالج فكرة يعانى منها المتخصصون بطريقة خفيفة الظل يمكنها الدخول إلى قلب المتفرج العربى بسهولة، والحقيقة أنها الطريقة الأمثل لمعالجة فكرة مثيلة، فحينما نناقش أمور كتلك لا يجب أن نظل نهذى بها إلى شريحتها المُتوَقَعة، وإنما نستهدف بها جمهورها المقصود تماما.

_ تترات الفيلم الأنيميشانية فكرة مُذهلة، وخاصة، ومناسبة تماما لروحه الكرتونية.

تعليقات

  1. تنظيف مجالس بمكة
    نحن افضل شركة نظافة بمكة عليك الاعتماد عليها عند الحصول على احد خدمات التنظيف مثل تنظيف موكيت بمكة و تنظيف مجالس بمكة و غسيل سجاد بمكة و تأكد انك معنا سوف تحصل على نتائج لا بديل او منافس لها على الاطلاق حيث اننا شركة نظافة عامة بمكة تمتلك الخبرة فى تقديم جميع ما تحتاج من خدمات التنظيف
    افضل شركة نظافة بمكة
    https://elbshayr.com/5/House-clearance

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"goodnight mommy"..أن لا تُبصِر بينما ترى

_نُشِر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم antichrist للمخرج "لارس فون ترير"، تبلغ البطلة الطور الكامل لنوبتها الإكتئابية، فيحل الوهم محل دماغها، ويوعز له بكل المُنكَرات، المُهلِكات، وفظائع الجُرم. تتحول تلك السيدة الرقيقة، واهنة الهيئة والقدرة إلى سفاحة متوحشة. يقودها الوهم إلى التمثيل بجسد من تحب، لتكن على يقين من أنه لن يُفارقها. تعتقد، وتمتطى إعتقادها إلى حتفها بنفس طيّعة. فما إن خَرِبَت رأسها، انتفت هويتها وضُلِلِ هواها. الوهم قتلها، وأمات الحب فيها وفيمن حولها. وفى حياة أخرى، موازية لحياة هذه البطلة المكتوبة فى سطور فيلم، شاهدتُ رجلا يحرص فى سيره، على أن يتحسس فى كل خطوة من خطاه الأرض من تحته. يومها، كنت برفقة زميل طبيب، وحينما رآنى وقد استغرقنى التحديق فى الرجل بإندهاش، أفادنى بأنها   إحدى أشكال حالة مرضية عقلية، تعرف بإسم" catatonia "، يتهيأ فيها للمريض أنه قد يفقد الأرض، لذا فهو يطمئن دوما لوجودها من تحته بتملسها كلما يُحرك قدما. وهماً آخر يدفع الحالات المتأخرة من نفس المرض، لأن تدّب فى مشيتها، ليسعها التأكد من وجود الأرض تحتها. الوهم أقصر الطر...

أضواء المدينة..الفيلم الذى يُضحِكك وإن ضَحك عليك

_نٌشر فى مجلة أبيض وأسود_ فى فيلم dangerous method 2011 يتبادل البطلان مناقشة شديدة الإيجاز حول مفهوم السعادة. فيقول أولهم: "السرور ليس بسيطا أبدا كما تعرفه أنت". فيبادره الآخر: "بل إنه كذلك، إلى أن نقر نحن بتعقيده". فيلم أضواء المدينة عام 1972 إخراج فطين عبد الوهاب وتأليف على الزرقانى، من الأفلام التى تؤيد الشِق الأخير من المناقشة، من الأفلام التى تمنح السعادة خيارا حقيقيا تطِل من خلاله ببساطة، ومن دون تكلف، أو محاولة زائفة للتحذلق والفلسفة المُدّعية. إنه الفيلم الذى ما إن تُعيد مشاهدته، تبتسم من مجرد ظهور تتراته، تستحضر معها روحه الخفيفة الطافية، وخيالات تلك الضحكات الماضية التى سبق وأن أغدق عليك بها.  تزورك لحظات البهجة التى خلقها خصيصا لك، وليس نظيرتها التى انخلقت فى مواقف مشابهة مع أفلام أخرى وفقا لظروف معينة، ملائمة لصناعة البهجة. أضواء المدينة هو الفيلم الذى يُضحكك ببساطة وإن ضحك عليك. سيناريو الحدوتة تبدو تقليدية، اعتدناها من السينما المصرية فى وقت سابق، ولاحق أيضا. ولكن ما ابتدعه السيناريو هنا، ابتكار مدخلا مختلفا آمنا، يسعه مجاراة دراما ...

"قنديل أم هاشم" .. مفهوم غير آمن للإيمان

_نُشر فى مجلة الثقافة الجديدة_ فى فيلم the skeleton key تظل البطلة تردد بهيستيرية " أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن، أنا لا أؤمن" ولكن صوت داخلها يجهر بنقيض ما تصرخ به تماما، إنها تؤمن بالفعل، تؤمن أن السيدة العجوز التى تمارس عليها إحدى تعاويذها، ستتمكن من أذيتها فى آخر الأمر. تؤمن بالسحر الأسود، الذى لا يمكن أن تطال يده أحدا إلا إن كان مؤمن بوجوده وأفاعيله. و"يحى حقى" فى رواية قنديل أم هاشم تطرق لمفهوم الإيمان، خاض فى جانب غير آمن منه، جانب يبعث على الحيرة، ويشير إلى وجه آخر من وجوهه الداعية إلى القلق. فـ "الإيمان" كلمة ما إن ذُكِرت فى أى تراث، يحضر معها شرطيا شعور الراحة والسلام. ولكن الحقيقة ليست مثالية إلى هذا الحد، فـ "الإيمان" أحيانا قد يكون نقمة، قد يكون كُفرا موازيا بما يجب أن نؤمن به. فبطلة the skeleton key فى واقع الأمر لم تؤمن بالسحر، بقدر ما فقدت إيمانها بالرب. ومن هذه النقطة سيبدأ كلامنا عن فيلم "قنديل أم هاشم".. الفيلم الذى أعد السيناريو له "صبرى موسى"، ليطل على شاشة السينما بكل هذه التعقيدات الفكرية ال...